شيء ، وصوّره على غير مثال كان سبق ، قادر أن يعيده كما بدأه».
قال : أوضح لي ذلك. قال : «إن الروح مقيمة في مكانها ، روح المحسنين في ضياء وفسحة ، وروح المسيئين في ضيق وظلمة. والبدن يصير ترابا [كما] منه خلق ، وما تقذف به السباع والهوام من أجوافها ممّا أكلته ومزّقته ، كلّ ذلك في التراب محفوظ عند من لا يعزب عنه مثقال ذرّة في ظلمات الأرض ، ويعلم عدد الأشياء ووزنها. [وإن] (١) تراب الروحانيين بمنزلة الذهب في التراب. فإذا كان حين البعث مطرت السماء [فـ] (٢) تربو الأرض ، ثمّ تمخض مخض السقاء ، فيصير تراب البشر كمصير الذهب من التراب إذا غسل بالماء ، والزبد من اللبن إذا مخض ، فيجتمع تراب كلّ قالب [إلى قالبه] ، فينقل بإذن الله إلى حيث الروح ، فتعود الصور بإذن المصوّر كهيئتها ، وتلج الروح فيها ، فإذا قد استوى لا ينكر من نفسه شيئا» (٣).
السادس : ما ذكره الإمام العسكري عليهالسلام في تفسيره قال : «إن الله ينزل بين نفختي الصور بعد ما ينفخ النفخة الاولى ـ من دوين سماء الدنيا ، من البحر المسجور الذي قال الله (وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ) (٤) ، وهو من منيّ كمنيّ الرجال ، فيمطر ذلك على الأرض ، فيلقي الماء المني مع الأموات البالية فينبتون من الأرض ويحيون» (٥).
أقول : ويمكن الجواب عن هذه الأخبار بما اجيب به عن الآيات المتقدّمة من أن الغرض من سوقها بيان كيفيّة الإحياء والإيجاد ، ولا سيّما إذا قلنا بفناء العالم كملا ، كما دلّ عليه كلام أمير المؤمنين عليهالسلام المتقدّم.
وتوضيحه أنه لا ريب في أن هذه الأجساد تضمحلّ وتتفرّق في التراب ، كما وصفه في حديث (الاحتجاج) ، ولكن بعد أن يأذن الله سبحانه في فناء العالم ـ
__________________
(١) من المصدر ، وفي النسختين : فإن.
(٢) من المصدر ، وفي النسختين : و.
(٣) الاحتجاج ٢ : ٢٤٥ ـ ٢٤٦ / ٢٢٣.
(٤) الطور : ٦.
(٥) التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليهالسلام : ٢٨٢ / ١٤٠.