وما ذكره في (المختلف) من أنه إذا كان نجسا لم يكن مطهّرا لغيره (١) كلام مجمل ؛ فإنه إن أراد به : ما كان نجسا في نظر المكلّف فما ذكره مسلّم ولكنّه ليس بمحل البحث ، وإن أراد به : ما كان كذلك في الواقع وإن لم يكن معلوما للمكلّف فهو ممنوع ، بل هو أول المسألة.
نعم ، بعد انكشاف الأمر وحصول العلم بالنجاسة يجب الاجتناب.
وكذلك ما ذكره في (الذكرى) من تعليله عدم ارتفاع الحدث بأنه ماء نجس ولا يحصل به الطهارة (٢) ـ إلى آخر ما ذكره ـ فإنّا نقول : إن ذلك كلّه لا يجري إلّا في العالم ، ويوضحه أنه لا ريب أنّا مكلّفون من الشارع بالطهارة بهذا الماء مثلا بشرط عدم العلم بنجاسته ، لا بشرط العلم بعدمها ؛ لاستلزام ذلك الحرج المنفي بالآية (٣) والرواية (٤). ومن أجل ذلك لم يجعل التكليف منوطا بنفس الأمر في مادة من المواد ولا حكم من الأحكام ، لعلمه بتعذّره عينا ، وإنّما كلّفنا بالنظر إلى علمنا ؛ لقوله عليهالسلام : «الناس في سعة ما لم يعلموا» (٥) ، وقوله : «لا ابالي أبول أصابني أم ماء إذا لم أعلم» (٦). وقوله : «كلّ ماء طاهر حتى تعلم أنه قذر» (٧). إلى غير ذلك من الأخبار.
وحينئذ ، فالمكلّف إذا توضأ بهذا الماء الطاهر في نظره واعتقاده وإن كان
__________________
(١) مختلف الشيعة ١ : ٧٨ / المسألة : ٤١.
(٢) ذكرى الشيعة ١ : ١١٠.
(٣) الحج : ٧٨.
(٤) الكافي ٣ : ٤ / ٢ ، باب الماء الذي تكون فيه قلة .. ، وسائل الشيعة ١ : ١٥٢ ، أبواب الماء المطلق ، ب ٨ ، ح ٥.
(٥) الكافي ٦ : ٢٩٧ / ٢ ، نوادر كتاب الأطعمة ، وسائل الشيعة ٣ : ٤٩٣ ، أبواب النجاسات ، ب ٥٠ ، ح ١١ ، وفيهما : هم ، بدل : الناس.
(٦) الفقيه ١ : ٤٢ / ١٦٦ ، تهذيب الأحكام ١ : ٢٥٣ / ٧٣٥ ، وسائل الشيعة ٣ : ٤٦٧ ، أبواب النجاسات ، ب ٣٧ ، ح ٥.
(٧) تهذيب الأحكام ١ : ٢٨٤ ـ ٢٨٥ / ٨٣٢ ، وسائل الشيعة ٣ : ٤٦٧ ، أبواب النجاسات ، ب ٣٧ ، ح ٤ ، وفيهما : كلّ شيء نظيف ، بدل : كلّ ماء طاهر.