باعتبار السند الوارد في (العلل) (١) وظهور لفظة «لا يحلّ» في الحرمة يوهم جواز تخصيص عمومات الآيات والأخبار ، وتقييد إطلاقهما به كما في نظائره ، إلّا إن في التعليل (٢) الوارد فيه نوع إشعار بالكراهة ، كما ورد أمثاله في أمثلة من المكروهات ؛ لأنّهم ـ صلوات الله عليهم ـ لفرط شفقتهم على الناس يعلّلون المكروهات بعلل منفّرة للطباع عن فعلها ، مرغبة في تركها ، حتّى تهتم بالترك ، ولا تستهين بالفعل ، كما يذكرون في المستحبات أيضا ما يوجب رغبة الطباع من العلل الباعثة على الفعل ، الصارفة عن الترك.
ومعلوم أنه يشق على نفوسهم القدسيّة السليمة ، ويصعب عليها مخالفة الأمّة لهم في فعل المكروهات وترك المستحبات ، كما يشق ويصعب عليهم المخالفة في ارتكاب المحرمات وترك الواجبات. ففي الاكتفاء في مقام التنفير بهذه العلّة المشتركة وعدم الترقي في التعليل إلى ما يفرض الترقّي ، دليل للمتتبّع الفطن على الكراهة.
فظهر أن كون أمر شاقا عليهم ـ صلوات الله عليهم ـ لا يستلزم الأذيّة المحرّمة حتّى يقال : إنّه كنّى به في الحديث عنها. فبمجرّد ورود مثل هذا الخبر المحتمل للكراهة إن لم يكن ظاهرا فيها الحكم بحرمة الجمع ثم بالتفريق بعده ، وطرح العمومات والإطلاقات في الآيات والروايات ، ومخالفة ظاهر جلّ الأصحاب ، مشكل عندي.
ولعلّهم ـ رضوان الله عليهم ـ ظهر لهم جواز الجمع من تقرير أئمّتهم ـ صلوات الله عليهم ـ لأن وقوع الجمع ـ كما ترى الآن ـ كان غير نادر في الأمصار والأقطار سيما في عصرهم وزمنهم ؛ لأنه كان موجبا لمزيد المجد والشرف
__________________
(١) علل الشرائع ٢ : ٣١٥ / ب ٣٨٥ ، ح ٣٨.
(٢) في «ق» بعدها : فراغ مقداره كلمة ، وقد ملئ بكلمة (جواز) وذيل بالرمز ص ، أي (صح).