المنطوق ، ولا ريب أن دلالة «لا يحلّ» على الحرمة دلالة مطابقية ؛ لأنّها المعنى الحقيقي لهذا اللفظ بدليل التبادر الذي هو أمارة الحقيقة ، كما حقّقه علماء الاصول (١).
وبذلك يظهر لك ضعف قوله : (يوهم جواز تخصيص عمومات الآيات) ، فإن الدلالة متى كانت صريحة مع صحّة الخبر ـ كما هو ظاهر كلامه ـ جاز تخصيص العمومات به اتّفاقا كما قدّمنا ذكره ، لا أن ذلك وهم كما توهّمه. على أنه مع تسليم كون دلالة هذا اللفظ ظاهرة في الحرمة يكفينا في المقام ، فإن مدار الاستدلال ـ كما لا يخفى على من شرب بكأس مائه العذب الزلال ـ إنّما هو على النصّ أو الظاهر ، ولا يلتفت في مقابلتهما إلى مجرّد الاحتمال كما حقّقناه سابقا ، إلّا أن تقوم هناك قرينة حاليّة أو مقاليّة صارفة عن مقتضى ظاهر اللفظ ، فيجب العدول إلى ما دلّت عليه القرينة ، وصرف اللفظ عن ظاهره أو صريحه.
وما نحن فيه ليس كذلك ؛ إذ لا قرينة توجب صرف اللفظ عن ظاهره كما علمت وستعلم ؛ فيجب الوقوف على ما دلّ عليه بظاهره حينئذ.
الثاني : قوله : (إلّا إن في التعليل نوع إشعار بالكراهة) ؛ فإنّه :
أوّلا : مجرّد دعوى عارية عن الدليل ، وهي مردودة عند ذوي التحصيل ، وليس فيها وفي ما فرّعه عليها إلّا مجرّد التطويل والتسجيل بما لا يشفي العليل ، ولا يبرد الغليل. وكيف لا ، ولفظ المشقّة ـ كما حقّقناه سابقا ـ صريح في استلزام الأذى؟ وكان الواجب عليه إيضاح هذه الدعوى بالدليل ، وبيانها على وجه لا يداخله القال والقيل.
وثانيا : أن مقتضى اعترافه أوّلا بكون «لا يحلّ» ظاهرا في الحرمة ، وقوله ثانيا :
__________________
(١) انظر مبادئ الوصول إلى علم الاصول : ٨٠.