الثاني. وأين هذا ممّا نحن فيه.
ومقتضى سياق الكلام المنطبق على ما ادّعاه ، هو أن يقول : إنّهم عليهمالسلام كثيرا ما يعبّرون عن المكروهات بالألفاظ الموضوعة للمحرمات ، وعن المستحبات بالألفاظ الموضوعة للوجوب ، زجرا في الأوّل عن الفعل ، وتأكيدا وتشديدا وحثّا على الإتيان به في الثاني ، وذلك مثل حديث العانة (١) المتقدّم ، حيث عبّر بلفظ : «لا يحلّ» الذي هو موضوع للتحريم ، ومثل التعبير بلفظ الوجوب في غسل الإحرام وغسل الجمعة (٢) ونحو ذلك.
هذا مقتضى السياق الذي عليه يقع الانطباق ، لا ما ذكره. وكيف كان ، فقرائن الاستحباب فيما ذكرناه من هذه الأفراد واضحة ، دون ما هو محلّ البحث كما عرفت.
الرابع : قوله : (ومعلوم أنه يشق على نفوسهم) ـ إلى آخره ـ فإنّه من قبيل ما تقدّم من الدعاوى العارية عن البرهان ، المحتاجة إلى مزيد تحقيق وبيان ، ومن أين حصل هذا العلم له ، وفي أي حديث ورد ، وعلى أي دليل فيه اعتمد ، وما أراه زاد في كلامه على مجرّد الدعوى (٣) التي لا تسمن ولا تغني من جوع ، كما لا يخفى على من له إلى الإنصاف أدنى رجوع ؛ إذ الأدلة على خلافه ظاهرة ، والحجج متضافرة ؛ فإنّه لا يخفى على من تطلّع في الأخبار وكلام الأصحاب ؛ أنّه كثيرا ما يرد في الخبر ما يؤذن بفعل الإمام عليهالسلام للمكروه وتركه للمستحب المتّفق على كراهته واستحبابه ، فيحملون الخبر على بيان الجواز ، بمعنى أن فعله عليهالسلام أو
__________________
(١) الكافي ٦ : ٥٠٦ / ١١ ، باب النورة ، الفقيه ١ : ٦٧ / ٢٦٠ ، وسائل الشيعة ٢ : ١٣٩ ، أبواب آداب الحمام ، ب ٨٦ ، ح ١.
(٢) الكافي ٣ : ٤١٧ / ٤ ، باب التزين يوم الجمعة ، وسائل الشيعة ٣ : ٣١٧ ، أبواب الأغسال المسنونة ، ب ٧ ، ح ١.
(٣) في «ح» : الدعوات.