والقرآن حق لا اختلاف بينهم في تنزيله وتصديقه ، فإذا شهد القرآن بتصديق خبر وتحقيقه وأنكر الخبر طائفة من الامة ، لزمهم الإقرار به ضرورة ، حيث اجتمعت في الأصل على تصديق الكتاب ، فإن هي جحدت وأنكر لزمها الخروج عن الملة.
فأول خبر يعرف تحقيقه من الكتاب وتصديقه والتماس شهادته عليه ، خبر ورد عن رسول الله وجد بموافقة الكتاب وتصديقه ، بحيث لا تخالفه أقاويلهم حيث قال : إني مخلف فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن تضلوا ما تمسّكتم بهما وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض (١). فلمّا وجدنا شواهد هذا الحديث في كتاب الله نصا ، مثل قوله عزوجل (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ) (٢). وروت العامة في ذلك أخبارا لأمير المؤمنين عليهالسلام أنه تصدّق بخاتمه وهو راكع فشكر الله ذلك له وأنزل الآية فيه (٣). فوجدنا رسول الله قد أتى بقوله : من كنت مولاه فعلي مولاه (٤) ، وبقوله : أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلّا إنه لا نبي بعدي (٥) ، ووجدناه يقول : عليّ يقضي ديني وينجز موعدي ، وهو خليفتي عليكم من بعدي (٦).
فالخبر الأول استنبط منه هذه الأخبار ، وهو خبر صحيح مجمع عليه لا اختلاف فيه عندهم ، وهو أيضا موافق للكتاب. فلمّا شهد الكتاب بتصديق الخبر وهذه الشواهد الاخر ، لزم الامة الإقرار بها ضرورة ؛ إذ كانت هذه الأخبار شواهدها من القرآن ناطقة
__________________
(١) كشف اليقين : ٢٤١ ، سنن الترمذي ٥ : ٦٦٢ / ٣٧٨٨ ، مناقب علي بن أبي طالب : ٢٣٤ / ٢٨١.
(٢) المائدة : ٥٥ ـ ٥٦.
(٣) الدر المنثور ٢ : ٥١٩ ـ ٥٢٠.
(٤) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١١٩ / ٤٥٧٨ ، الدر المنثور ٢ : ٥١٩.
(٥) المستدرك على الصحيحين ٣ : ١١٧ / ٤٥٧٥ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ : ٥٣.
(٦) تاريخ مدينة دمشق ٤٢ : ٤٨ ـ ٥٠.