تواكل أحدهم على الآخر مستمرة وغير متوقفة.
وهذا التسلسل واضح البطلان ويدل على بطلانه أن الموجودات التي فرض وجودها في السلسة اللامتناهية فقيرة بذاتها؛ فإذا كانت كذلك فمن أين حصلت على غنى الوجود ، والمفروض أنها لا تمتلكه من ذاتها ، فلابد من فرض موجود آخر منحها الغنى والتحقق ، وهو بذاته واجب في وجوده وغنيّ عن كل علّة توجده حتى يمكن أن تحصل سلسلة الموجودات الفقيرة على الوجود والتحقق.
وبهذا الدليل يمكن إبطال فكرة الدور أيضاً ، وذلك لأن الدور سواء كان مضمراً أو مصرّحاً (١) فإن الموجودات المفترضة فيه فقيرة ومحتاجة إلى جهةٍ تغنيها وتمنحها الوجود؛ إذ لا يمكن لكل موجود مفتقر إلى الوجود منح غيره أو نفسه الغنى في الوجود ، لأن فاقد الشيء لا يعطيه بحكم العقل. ويمكن تشبيه نسبة الموجودات الفقيرة في فرض الدور والتسلسل بمجموعة أصفار ، أو مجموعة جُهّال ، فكما أن إضافة صفر إلى صفر آخر لا يُوجِد عدداً ، وكما أن استعانة جاهل بجاهل لا يحقق العلم ، كذلك الحال بالنسبة إلى الموجودات الفقيرة فهي لا يمكن أن تمنح نفسها أو بعضها البعض الغنى والتحقق ، لأنها فقيرة بذاتها وفاقدة لكل غنى.
__________________
١ ـ أ ـ الدور المصرح مثل : تعريف الشمس بأنها كوكب يطلع في النهار والنهار لا يعرَّف إلا بالشمس ، إذ يقال في تعريفه : النهار ، زمان تطلع فيه الشمس. فينتهي الأمر في النهاية إلى أن تكون معرفة الشمس متوقفة على معرفة الشمس.
ب ـ الدور المضمر : مثل تعريف الاثنين بأنها زوجٌ أول ، والزوج يُعرَّف بأنه منقسم بمتساويين ، والمتساويان يُعرفان بأنهما شيئان أحدهما يطابق الآخر والشيئان يُعرّفان بأنهما اثنان ، فرجع الأمر بالأخير إلى تعريف الاثنين بالاثنين. «محمد رضا المظفر ، المنطق ، ص ١٠٤ ـ ١٠٥ دار التعارف للمطبوعات ، بيروت ، لبنان ١٩٨٠ م».