من الموجودات ، بعد تسليم الجميع بقدم الله سبحانه ، فذهب المتكلمون إلى أن كلَّ ما سوى الله حادث ، تجنباً من محذور تعدد القدماء المنافي لأدلة توحيد الله تعالى. بينما خالفهم الفلاسفة في ذلك وذهبوا إلى القول بأن مقتضى كونه تعالى علة للكون منذ الأزل هو قدمية الكون وأزليته أيضاً ، باعتبار أنه تعالى فيّاض على الإطلاق ، وقديم الإحسان والكون نفحة من نفحات فيضه وإحسانه. والتعدد في القدماء إنما يكون محذوراً إذا كان كل قديم غنيّا بذاته ـ واجب الوجود ـ والحال إنه لا ملازمة بين القول بتعدد القدماء وبين واجبية وجودهم وغناهم ، بل إن صفة الفقر والإمكان يجب أن تكون ملازمة لوجود القدماء على الرغم من قدمهم وأزليتهم ، باعتبارهم معلولين لعلّة وهي الله تبارك اسمه ، وقد اتضح في بحث العلّية أن المعلول يمثل عين الارتباط بعلّته ، فلا وجود استقلالي له من دون علته المفيضة عليه بالوجود والتحقق ، وعلى هذا فلا معنى لاعتبار المعلول غنياً وواجباً حتى ولو كان قديماً وأزلياً في وجوده. فالشعاع المنبثق عن الشمس يبقى بحاجة إلى الشمس حتى لو فرضنا جدلاً قدم الشمس وبالتبع قدم الشعاع المنبثق عنها واقترانهما معاً.
إن استيعاب الكلام فيما يرتبط بهذا الموضوع مفصّل وإنما أردنا أن نطل عليه إطلالة محدودة عبر لمحة فلسفية خاطفة.