إن الفلاسفة وبعد أن اختلفوا في تحديد مصادر أفكارنا التصورية والتصديقية في أنّها حسِّية أو عقلية أو كلاهما معاً ، أو شيء آخر ، اختلفوا في قيمتها ومطابقتها للواقع الخارجي ، ومن أجله ذهب جماعة منهم إلى إنكار الواقع الخارجي بكل تفاصيله منكرين أنفسهم ، ومن هؤلاء «غورغياس» السوفسطي ومن المنكرين «جورج باركلي» (١) الذي لم يؤمن بوجود شيء ما سوى الأنا المدْرِكة والصورة المدْرَكة ، ويُسمى باركلي وأنصاره بالمثاليين «ايده اليست Idealists» ، بينما ذهب «أرسطو» ومدرسته وتلامذته ومن سار على خطاه ، إلى الإيمان بالواقع مطلقاً العيني الخارجي منه وغيره ويُسمى هؤلاء بالواقعيين «رئاليست Realists».
وجنح جَمع آخر إلى الإيمان بالواقع الخارجي إيماناً نسبياً ، فالصورة المدركة عندهم مزيجٌ من مادة الإدراك الخارجي والقوالب والمقولات الجاهزة في الذهن ، فلا تمثل الصورة المدركة الخارجَ بصورة مستقلة ولا الذهن بصورة مستقلة ، بل للخارج نسبة ونصيب من هذِهِ الصورة ، وللذهن نصيب ونسبة منها أيضاً وهو ما ذهب إليه «عمانوئيل كانت» (٢) في نظريته النسبية.
__________________
١. «جورج باركلي George Barckley» «١٦٨٥ ـ ١٧٥٣ م» فيلسوف إنجليزي مثالي مبكر النضوج ، شاعر في طفولته ، التحق بمدرسة «كلكني» فدرس فيها الرياضيات ثم التحقق بكلية «الثالوث Tinity» فأبدى فيها من الحماسة والخيال ما جعل الآخرين يعتبرونه أكبر عبقري أو أكبر مخبول ، اشتغل مدرّساً للغة اليونانية عام ١٧١٢ م وكان قسيساً ، وقد تأثّر باركلي في دراسته بـ «ديكارت» و «لوك».
٢. «عمانوئيل كانت Emanuel Kant» «١٧٢٤ ـ ١٨٠٤ م» فيلسوف ألماني ولد في كينجسبرج ، كان والده سرّاجاً مجتهداً في عمله صدوقاً ، وكانت أمه متدينة ، حريصة على سماع مواعظ (فرانس شولتس مدير معهد «فريدريك») ومن هنا ألحقت الأم ابنها بهذا المعهد ليدرس فيه ، وبعدها التحق بجامعة كينجسبرج فدرس الرياضيات والفلسفة وأصول الدين. عُرف «كانت» بدقته الفائقة في تنظيم مواعيد عمله اليومي كالساعة في تحديد الوقت ، من أشهر كتبه «نقد العقل العملي» ، «نقد العقل النظري» ، «نقد الحكم العقلي».