إن الإيمان بوجود واقع خارجي قضية مسلّمة لا يختلف فيها اثنان ولو في حدود الأنا المُدْرِكة ، إذ لو لم تكن «الأنا» موجودة فكيف أنكر المنكر أو شكك المشكك بوجود الواقع الخارجي ، وحتى (باركلي) حينما أنكر الواقع الخارجي لم ينكر ذاته المدرِكة والصور المدْرَكه ، والسرُ هو أن ذلك معلوم عنده بالعلم الحضوري ، ومن أجله فقد ادّعى أنه ليس منكراً ولا شكاكاً بالواقع الموضوعي الخارجي ، إلا إنه يؤمن بواقع الأنا المدرِكة والصورة المُدْرَكَةِ وينكر الوجود المادي للأشياء ، فوضع لمذهبه قاعدة معروفة : «أن يُوجد هو أن يُدرِك أو أن يُدْرَك» ومن الواضح أن ما سوى الأنا المدرِكة والمَدرَكات المرتبطة بها غير معلوم لنا بالبداهة أو بالعلم الحُضوري ، بل هو بحاجة إلى برهان ودليل ، والعقل هو الحاكم بوجودها انطلاقاً من مبدأ العليّة العقلي الذي لا يشك فيه حتى المنكرون والشكاكون ، لأنهم حينما رفضوا الإيمان بوجود واقع موضوعي خارج حدود الذهن البشري ، فإنما استندوا إلى دليلٍ لإثبات مدّعاهم وهذا الدليل في واقعه علّة وسبب لإثبات منحاهم الفلسفي في إنكار الواقع أو الشك فيه.
ومبدأ العلّية يقرّر أن لكل حادثة سبباً انبثقت منه ، فهناك كثير من الظواهر التي نتحسسها ونبحث عن سببها ، فلو كانت نابعة من صميم ذاتنا ، لكانت معلومة لنا بالعلم الحضوري ، وحيث إنّا لا نجد علّة تلك الحادثة في صميم وجودنا فلابد وأن يكون مصدرها شيئاً خارجَ حدود ذواتنا ، وليس ذلك إلا الشيء الخارجي ، كما لو أمسكت شوكاً بيدك وشعرت بألم الوخز الذي يصيبها حين إمساكك له ، فإنك ستبحث عن سببه وحينما تراجع نفسك لا تجد فيها سبباً وعلّة لذلك الألم ، إذ لو كان لبان لك بالعلم الحضوري وجودهُ في نفسك ، هذا من ناحية.