كل ما لا يمتّ إلى العالم المادي المحسوس بصلة ورفعوا شعار «أثبت لي شيئاً بالحس أقبله منك وإلا فلا» وتغافل هؤلاء عن أنَّ الموجودات منها ما هي مجردة غير مادية ، لا يمكن التعرف عليها إلا من خلال العقل واستنتاجاته وتأملاته كوجود الله تعالى ، لأن الحواس الخمس قاصرة عن إدراكها والتحسس بها ، ومنها ما هي مادية غير مجردة ، وهي بدورها قد تعجز حواس الإنسان الخمس عن إدراك بعض مفرداتها ومواردها ، لوجود مانع حال دون ذلك ، أو لقصور في وسائل التجربة ، فالإلكترون والأشعة تحت الحمراء أو فوق البنفسجية والجاذبية الأرضية وغيرها من المفردات أكّد عليها العلم وآمنا نحن ببعضها إيماناً قاطعاً على الرغم من أنها لم تخضع بصورة مباشرة لإحدى حواسنا الخمس ، بل توصّلنا إلى وجودها من خلال آثارها الدالّة عليها بحكم العقل القاطع بأن لكل أثر مؤثراً ولكل معلول علّة.
فإذا أمكن إثبات الجاذبية من خلال سقوط الأجسام باتجاه الأرض بعد رميها إلى أعلى ، وإذا أمكن إثبات وجود التيار الكهربائي من خلال توهج المصباح أو حركة المروحة ، أمكن أيضاً إثبات وجود الله من خلال آثار صنعه وبديع خلقه. فكما أثبتنا وجود الجاذبية والتيار الكهربائي وغيرها من الظواهر المادية بطريقة عقلية استدلالية مع أنها لم تخضع بصورة مباشرة لحواسنا ، كذلك الحال بالنسبة إلى