فقال له الحسين عليهالسلام : «فأين أذهب يا أخي؟». قال : تخرج الى مكّة فإن اطمأنّت بك الدار بها فذاك وإلّا خرجت إلى اليمين ، فإنّهم أنصار جدّك وأبيك ، وهم أرأف الناس وأرقهم قلباً وأوسع الناس بلاداً ، فإن إطمأنت بك الدار فذاك وإلّا لحقت بالرمال وشعوب الجبال ، وجزت من بلد إلى بلد حتى تنظر ما يؤل إليه أمر الناس ، ويحكم الله بيننا وبين القوم الفاسقين ، فإنك أصوب ما تكون رأياً حين تستقبل الأمر استقبالاً.
فقال الحسين عليهالسلام : «يا أخي والله لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية». فقطع محمد بن الحنفية كلامه وبكى ، وبكى الحسين معه ساعة ثم قال : «يا أخي جزاك الله خيراً فقد نصحت وأشفقت ، وأرجوا أن يكون رأيك سديداً موفقاً ، وأنا عازم على الخروج إلى مكة ، وقد تهيأت لذلك انا وأخوتي وبنو أخي ، وشيعتي أمرهم أمري ، ورأيهم رأيي ، وأمّا أنت فلا عليك إلّا أن تقيم بالمدينة فتكون عيناً عليهم ، ولا تخفي عنّي شيئاً من اُمورهم (١).
ثم دعى الحسين عليهالسلام بدوات وبياض وكتب هذه الوصيّة لأخيه محمّد بن الحنفية :
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا ما أوصي به الحسين بن علي بن أبي طالب إلى أخيه المعروف «بابن الحنفية» ...
«إنّ الحسين يشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأنّ محمّداً عبده ورسوله ، جاء بالحقّ من عند الحق ، وأنّ الجنّة حقّ ، وأنّ الساعة آتية لا ريت فيها ، وأنّ الله يبعث من في القبور ، وإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً ، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أُمة جدّي محمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم أريد أن آمر بالمعروف
__________________
(١) انظر : إرشاد المفيد : ٢ / ٣٤ ـ ٣٥.