ثمّ أُغمي على الحسين عليهالسلام ، هذا والأعداء واقفون بإزائه يحجمون عن الإقدام (١) ، ويختلفون في الكلام ؛ فقائل يقول : إنّه عمل حيلة ، والآخر يقول : ضعف ولا قابلية له على القيام ، قال الشمر لعنه الله : فإن أردتم أن تعلموا ذلك فاهجموا على المخيّم ؛ فإن كانت به قوّة فستنهض به غيرته للذبّ عن الحرم ، فهجموا على المخيّم فتصارخت العيال وتهاتفت به ؛ فصاح الحسين عليهالسلام : «ويلكم! أنا الذي أُقاتلكم وتقاتلونني والنساء ليس عليهن ذمام» (٢).
فصاح الشمر : دعوا النساء واقصدوا الرجل بنفسه ، فلعمري لهو كفو كريم (٣) ؛ فتركوا النساء ورجعوا إليه ، فجاء إليه مالك بن النسر ، أوّل ما صنع اللعين شتم الحسين عليهالسلام وضربه بالسيف على رأسه ، وكان على رأس الحسين برنساً فأمتلأ البرنس دماً ، وأخذ الحسين عليهالسلام من دم رأسه وخضّب به وجهه ، وقال : «هكذا ألقى الله وأنا مخضّب بدمى» (٤). ثمّ جاء إليه سنان بن أنس وطعنه بالرمح في خاصرته ، وطعنه صالح بن وهب في ترقوته ، وضربه زرعة بن شريك على حبل عاتقه ، ورماه حرملة بن كاهل بسهم فأُغمي عليه (٥).
قال : وصالح عمر بن سعد لعنه الله : مَنْ يأتيني برأس الحسين وله الجائزة؟
فانحدر إليه مالك بن النسر فأحسّ به الحسين فرمقه بطرفه ، فرمى السيف من يده وولّى هارباً. فقال له شبث بن ربعي : أنا له ، فقال ابن سعد لعنه الله : أنت له ، فحمل سيفه وأقبل إلى الحسين عليهالسلام فرمقه الحسين بطرفه ، فرمى السيف من يده
_________________
(١) الأخبار الطوال للدينوري : ٣٥٨.
(٢) الملهوف علي قتلي الطفوف : ١٧١.
(٣) نفس المهموم : ٣٥٥.
(٤) مقتل العلوالم للشيخ عبدالله البحراني : ٢٩٦.
(٥) نفس المصدر : ٢٩٩.