البيعة.
فقال الحسين عليهالسلام : إنا لله وإنا إليه راجعون ، إذن مثلي لا يبايع سراً ، ولا أظنكم تردون منّي في السر ، ولكن إذا خرجت إلى الناس ودعوتهم الى البيعة كنت أول مبايع. وكان الوليد يحب حسن العواقب في الُامور ، فقال له : انصرف يا أبا عبد الله على اسم الله ، حتى تأتينا غداً. فقال له مروان : إن فاتك الثعلب لم تر إلّا غباره فلا تدعه يخرج حتى يبايع أو تضرب عنقه ؛ فلمّا سمع الحسين كلامه وثب إليه قائماً على قدميه ، وقال له : يابن الزرقاء (١) أنت تقلتني أم هو؟! كذبت والله واثمت ؛ ثم التفت الحسين عليهالسلام إلى الوليد ، وقال له : يا أمير نحن أهل بيت النبوة ، ومعدن الرسالة ، بنا فتح الله ، وبنا يختم ، ويزيد رجل فاسق شارب الخمر ، ومثلي لا يبايع مثله ، ولكن نصبح وتصبحون ، وننظر وتنظرون ، أيّنا أحقّ بالبيعة والخلافة.
فبينا هو كذلك اذ دخلوا اُخوة الحسين مجرّدين سيوفهم ، وكأني بهم يقدمهم أبو الفضل العباس شاهراً سيفه ، منتظراً أمر أخيه الحسين.
قال الراوي : ثم خرج الحسين من عند الوليد وقد احدقت به اُخوته ، وهو يقول :
لا ذعرت السوافي فلق الصبح |
|
مغيراً فلا دعيت يزيدا |
__________________
(١) الزرقاء : هي جدّة مروان وكانت مشهورة بالفجور ، وكانت لمروان مع الحسين عليهالسلام مواقف كثيرة ، وكان شديد العداوة للحسين عليهالسلام ، منها : أنّه صعد يوماً على المنبر بالمدينة وقال : يا بني هاشم إنّما فخركم بامرأة وهي فاطمة وكان الحسين عليهالسلام جالساً فقام إليه ولوى عمامته في عنقه حتى خرج الدم من انفه ، ثم أراد قتله فأقسم الناس عليه بجده رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إن يتركه فتركه. انظر : تاريخ الطبري : ٤ / ٣٣٨ ، وتاريخ اليعقوبي : ٢ / ٢٢٩ ، وتاريخ الخميس : ٢ / ٢٩٧ ، وتاريخ ابن خلدون : ٣ / ١٩ ، والكامل في التاريخ لأبن الأثير : ٤ / ١٤.