ثم ضرب لهم مثلا لينبههم إلى ما حلّ بمن قبلهم من الأمم التي كانت أقوى منهم جندا وأكثر عددا لعلهم يتعظون فقال :
(كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ) أي إن صنيع هؤلاء في تكذيبهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وكفرهم بشريعته ، كدأب آل فرعون مع موسى عليه السلام ، ودأب من قبلهم من الأمم ، كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم ، فأهلكهم ونصر الرسل ومن آمن معهم ، ولم يجدوا من بأس الله محيصا ولا مهربا ، إذ عقابه أثر طبيعي لاجتراح الذنوب وارتكاب الموبقات.
ثم تهددهم وتوعدهم بالعقاب في الدنيا قبل الآخرة فقال :
(قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ) المراد بالكافرين هنا اليهود لما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما أن يهود المدينة لما شاهدوا غلب رسول الله صلى الله عليه وسلم للمشركين يوم بدر قالوا والله إنه النبي الأمى الذي بشرنا به موسى ، وفي التوراة نعته وهمّوا باتباعه ، فقال بعضهم : لا تعجلوا حتى تنظروا إلى وقعة أخرى ، فلما كان يوم أحد شكّوا ، وقد كان بينهم وبين رسول الله عهد إلى مدة فنقضوه ، وانطلق كعب بن الأشرف في ستين راكبا إلى أهل مكة فأجمعوا أمرهم على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت.
وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أصاب قريشا ببدر ورجع إلى المدينة جمع اليهود في سوق بنى قينقاع فحذرهم أن ينزل بهم ما نزل بقريش ، فقالوا له : لا يغرنّك أنك لقيت قوما أغمارا لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة ، لئن قاتلتنا لعلمت أنّا نحن الناس فنزلت.
أي قل لأولئك اليهود إنكم ستغلبون في الدنيا وسينفذ فيكم وعيدي ، وتساقون فى الآخرة إلى جهنم سوقا ، وبئس المهاد ما مهدتموه لأنفسكم.
وقد صدق الله وعده فقتل المسلمون بنى قريظة الخائنين ، وأجلوا بنى النّضير المنافقين ، وفتحوا خيبر وضربوا الجزية على من عداهم.