أن يغيّر ما مضت به سنته ، وقضت به حكمته ، وأوعدت به شريعته ، من تعذيب ذوى العقائد الباطلة ، والأخلاق السافلة الذين أفسدوا في الأرض ، وانحرفوا عن جادة الدين إلا إذا أذن له ربه ، ونحو هذا قوله. «يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ».
وهذا تمثيل لانفراده بالملك والسلطان في ذلك اليوم ، وأن أحدا من عباده لا يجرؤ على الشفاعة أو التكلم بدون إذنه ـ وإذنه غير معروف لأحد من خلقه ـ وفي ذلك قطع لأمل الشافعين ، والذين يركنون إلى الشفاعة التي كان يقول بها المشركون وأهل الكتاب.
(يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) أي يعلم أمور الدنيا التي خلفوها ، وأمور الآخرة التي يستقبلونها.
وهذه الجملة مؤكدة لنفى الشفاعة ، إذ من كان عالما بكل شىء فعله العباد في الماضي وفيما هو حاضر بين أيديهم وفيما يستقبلهم ، وكان ما يجازيهم به مبنيا على هذا العلم ، كانت الشفاعة على هذا النحو المعروف ، مما يستحيل عليه تعالى ، لأنها لا تتحقق إلا بإعلام الشفيع المشفوع عنده من أمر المشفوع له وما يستحقه ما لم يكن يعلم.
وما ورد من أحاديث الشفاعة ، فهو محمول على الدعاء الذي يفعل الله تعالى عقبه ما سبق في علمه الأزلى أنه سيفعله ، مع أنا نقطع بأن الشافع لا يغيّر شيئا من علمه ، ولا يحدث تأثيرا في إرادته ، وبذلك تظهر كرامة الله لعبده بما أوقع من الفعل عقب دعائه ، قاله شيخ الإسلام ابن تيمية.
(وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ) أي إن أحدا من خلقه لا يحيط بما يعلمه إلا إذا شاء ذلك ، والشفاعة تتوقف على إذنه تعالى ، وإذنه لا يعلم إلا بوحي منه ، وإنما يعرف إذنه تعالى بما حدده من الأحكام في كتابه ، فمن بيّن أنه مستحق لعقابه ، فلا يجرؤ أحد أن يدعو له بالنجاة ، ومن بيّن أنه مستحق لرضوانه على هفوات ألمّ بها