(وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) أي إنه تعالى لا ينحصر فضله ، ولا يحد عطاؤه ، وهو عليم بمن يستحق هذه المضاعفة كالمنفقين في إعلاء شأن الحق ، وتربية الأمم على آداب الدين وفضائله التي تسوقهم إلى سعادة المعاش والمعاد ، حتى إذا ما ظهرت آثار ذلك في قوة ملتهم وسعادة أمتهم جنوا من ذلك أجلّ الفوائد وعاد ذلك عليهم بالخير الوفير.
ولنعتبر بما نراه في الأمم العزيزة الجانب التي ينفق أفرادها في إعلاء شأنها بنشر العلوم والمعارف وتأليف الجماعات الخيرية التي تقوم بها المصالح العامة ، ولنوازن بين هؤلاء وبين كبراء الأمم التي ضعفت وذلت بإهمال الإنفاق في المصالح العامة ، نر صعاليك الأولين ذوى عزة ومنعة لا يجاريهم فيها ثراة الآخرين.
هذا وإن الناس بمقتضى الفطرة يقتدى بعضهم ببعض ، فمن بذل شيئا في سبيل المصلحة العامة كان قدوة لمن يبذل بعده ، فالناس يتأسى بعضهم ببعض من حيث لا يشعرون.
والفضل الأكبر للسابقين الأولين في عمل الخير ، فهم الذين يضعون الأسس لعمل الخير ، فهم الفائزون برضوان الله ، ولهم أجرهم وأجر من اقتدى بهم
أخرج الترمذي وأبو داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «من سنّ في الإسلام سنة حسنة فعمل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل بها ، ومن سنّ سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة».
ثم بين ثواب الإنفاق في الآخرة بعد بيان منافعه في الدنيا فقال :
(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) أي إن الذين يبذلون أموالهم يبتغون بذلك مرضاة ربهم ، ولا يتبعون ذلك بمنهم على من
أحسنوا إليهم ولا بإيذائهم ، لهم عند ربهم ثواب لا يقدر قدره ، ولا خوف عليهم حين يخاف الناس وتفزعهم الأهوال ، ولا هم يحزنون حين يحزن الباخلون الممسكون عن الإنفاق في سبيل الله ، إذ هم أهل السكينة والاطمئنان والسرور الدائم.