لا في الفريضة ، فإن إظهارها أفضل لإظهار شعيرة من شعائر الدين ، وقوة الدين بإظهار شعائره ، ولما في ذلك من القدوة الحسنة ، ولأن احتمال الرياء بعيد في أداء الفرائض ، بل قالوا أيضا : إن الإظهار أفضل لمن يرجو اقتداء الناس به في صدقته ولو كانت تطوعا.
والمخلص في صدقته لا يعسر عليه حين الصدقة في المصالح العامة ـ أن يجمع بين إخفاء الصدقة الذي يسلم به من منازعة الرياء ، وبين إبدائها الذي يكون مدعاة للأسوة والاقتداء ، بأن يرسل حوالة مالية لجمعية خيرية ولا يذكر لها اسمه أو يذكره لرئيسها أو أمين صندوقها فحسب ، وقد جرت عادة الجميعات أن تشيد بمثل هذه الصدقة بلسان أعضائها أو بلسان الجرائد والمجلات ونحوها ، وذلك أوسع طرق الشهرة وأبعدها مدى في عصرنا.
وقد فهم من قوله (الفقراء) ولم يقل فقراءكم أعنى المسلمين ـ أن صدقة التطوع تعطى للمسلم والكافر والبر والفاجر ، لأن الله كتب الرحمة والإحسان في كل شىء فقد ورد في الصحيحين : «فى كل ذى كبد حرّى أجر» أي في جميع الأحياء وتمنع الزكاة التي هى أحد أركان الإسلام عن الكافر. ومثلها زكاة الفطر.
كما فهم من التصريح به أن الإخفاء مظنة الالتباس والاشتباه ، إذ يدعى الغنىّ الفقر ، ويقدم على قبول الصدقة سرا ولا يفعل ذلك عند الناس ، فعلينا أن نجزى ونعطى الفقراء حقا لا مدعى الفقر.
(وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ) أي ويمحو عنكم بعض ذنوبكم ، لأن الصدقة لا تكفر جميع الذنوب.
(وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) أي فما تفعلونه في صدقاتكم من الإسرار والإعلان ، فالله خبير به ، عليم بأمره ، ومجازيكم عليه ، وفي هذا ترغيب في إعطاء الصدقات سرا.