فى خزائن فضله ، ولا خوف عليهم حين يخاف الباخلون من تبعة بخلهم بالمال وحبسه حين الحاجة إلى بذله في سبيل الله ، ولا هم يحزنون على ما فاتهم من صالح العمل الذي يرجون به ثواب الله.
ذاك أن نفوسهم قد سمت وبلغت حدا من الكمال لم يبق لسلطان المال معه موضع فى قلوبهم ، وأصبحت مرضاته الشغل الشاغل لهم ، فلا يستريح لهم بال إلا إذا سدوا خلّه محتاج أو آسوا جراح مكلوم ، أو أشبعوا بطن جائع ، أو جهزوا جيشا يسدّون به ثغرة فتحها عدو ، وهؤلاء هم المؤمنون حقا الذين يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا.
وإنما قدم الليل على النهار ، والسر على العلانية للإيماء إلى تفضيل صدقة السر على صدقة العلانية ، وجمع بين السر والعلانية للإيماء إلى أن لكل منهما موضعا تقتضيه المصلحة قد يفضل فيه سواه ، إذ الأوقات والأحوال لا تقصد لذاتها.
وقد روى أن الآية نزلت في أبي بكر الصديق إذ أنفق أربعين ألف دينار ، عشرة بالليل وعشرة بالنهار ، وعشرة بالسر ، وعشرة بالعلانية.
وأخرج ابن جرير بسند ضعيف عن ابن عباس أنها نزلت في علىّ كرم الله وجهه كانت له أربعة دراهم فأنفق بالليل درهما ، وبالنهار درهما ، وسرا درهما ، وعلانية درهما ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما حملك على هذا؟ قال : حملنى أن أستوجب على الله الذي وعدنى ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا إن ذلك لك».
(الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٧٥)