ففى الآية المكية يقول الله جلت حكمته «وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله» هذه كما ترونها موعظة سلبية : أن الربا لا ثواب له عند الله ، نعم ولكنه لم يقل إن الله ادخر لآكله عقابا ، وهذا بالضبط نظير صنيعه في آية الخمر المكية (١٦ ـ ٦٧) حيث أومأ برفق إلى أن ما يتخذ سكرا ليس من الرزق الحسن دون أن يقول إنه رجس واجب الاجتناب ، ومع ذلك فإن هذا التفريق في الأسلوب كان كافيا وحده في إيقاظ النفوس الحية ، وتنبيها إلى الجهة التي سيقع عليها اختيار المشرع الحكيم.
أما الموضع الثاني فكان درسا وعبرة قصها علينا القرآن من سيرة اليهود الذين حرم عليهم الربا فأكلوه وعاقبهم الله بمعصيتهم ، وواضح أن هذه العبرة لا تقع موقعها إلا إذا كان من ورائها ضرب من تحريم الربا على المسلمين ، ولكنه حتى الآن تحريم بالتلويح والتعريض لا بالنصّ الصريح ، ومهما يكن من أمر فإن هذا الأسلوب كان من شأنه أن يدع المسلمين في موقف ترقب وانتظار لنهى يوجه إليهم قصدا في هذا الشأن ، نظير ما وقع بعد المرحلة الثانية في الخمر (٢ ـ ٢١٩) حيث استشرفت النفوس إذ ذاك إلى ورود نهى صريح ، وقد جاء هذا النهى بالفعل في المرحلة الثالثة ، ولكنه لم يكن إلا نهيا جزئيا في أوقات الصلاة (٤ ـ ٤٣).
وكذلك لم يجىء النهى الصريح عن الربا إلا في المرتبة الثالثة ، وكذلك لم يكن إلا نهيا جزئيا عن الربا الفاحش الربا الذي يتزايد حتى يصير أضعافا مضاعفة (٢ ـ ١٣٠) وأخيرا وردت الحلقة الرابعة التي ختم بها التشريع في الربا ، بل ختم بها التشريع القرآنى كله على ما صح عن ابن عباس ، وفيها النهى الحاسم عن كل ما يزيد على رأس ما الدين حيث يقول الله تعالى : «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ ، وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ. وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ ،