عليه الفناء؟ قالوا بلى ، قال : ألستم تعلمون أن ربنا قيم على كل شىء يكلؤه ويحفظه ويرزقه؟ قالوا بلى ، قال : فهل يملك عيسى من ذلك شيئا؟ قالوا لا ، قال : ألستم تعلمون أن ربنا صوّر عيسى في الرحم كيف شاء ، وأن ربنا لا يأكل الطعام ولا يشرب الشراب ولا يحدث الحدث؟ قالوا بلى ، قال : ألستم تعلمون أن عيسى حملته أمه كما تحمل المرأة ، ثم وضعته كما تضع المرأة ولدها ، ثم غذّى كما يغذى الصبى ، ثم كان يأكل الطعام ويشرب الشراب ويحدث الحدث؟ قالوا بلى ، قال : فكيف يكون هذا كما زعمتم فعرفوا ثم أبوا إلا جحودا ، فأنزل الله «الم اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ» إلى آخر تلك الآيات.
ووجه الرد عليهم فيها ـ أنه تعالى بدأ بذكر التوحيد لينفى عقيدة التثليث بادئ ذى بدء ، ثم وصفه بما يؤكد ذلك من كونه حيّا قيوما : أي قامت به السموات والأرض وهى قد وجدت قبل عيسى فكيف تقوم به قبل وجوده ، ثم ذكر أنه تعالى نزل الكتاب وأنزل التوراة ليبين أنه قد أنزل الوحى وشرع الشرائع قبل وجوده كما أنزل عليه الإنجيل وأنزل على من بعده ، فليس هو المنزل للكتب على الأنبياء وإنما هو نبى مثلهم ، ثم أعقب ذلك ببيان أنه هو الذي وهب العقل للبشر ليفرقوا به بين الحق والباطل ، وعيسى لم يكن واهبا للعقول ، ثم قال : إنه لا يخفى عليه شىء ليردّ على استدلالهم على ألوهية عيسى بإخباره عن بعض المغيبات ، فإن الإله لا يخفى عليه شىء مطلقا سواء أكان في هذا العالم أم غيره من العوالم السماوية وعيسى لم يكن كذلك ، ثم أبان أن الإله هو الذي يصور في الأرحام ليرد على ولادة عيسى من غير أب ، إذ الولادة من غير أب ليست دليلا على الألوهية ، فالمخلوق عبد كيفما خلق ، وإنما الإله هو الخالق الذي يصور في الأرحام كيف يشاء ، وعيسى لم يصور أحدا في رحم أمه ، ثم صرح بعد هذا بكلمة التوحيد وبوصفه تعالى بالعزة والحكمة.
ثم انتقل بعد ذلك إلى وصف الكتاب وجعله قسمين ، محكم العبارة محفوظ من الاحتمال والاشتباه ، وهو الأصل الذي دعى الناس إلى تدبر معانيه والعمل به ،