ثم أكدوا هذا الإنكار بقولهم :
(وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ) أي وإنا لنعتقد أنك ممن يتعمد بالكذب فيما يقول ، ولم يرسلك الله نبيّا إلينا.
(٢) (فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) أي فإن كنت صادقا فى دعواك الرسالة فأنزل علينا من السحاب قطعا يكون فيها العذاب لنا.
وهذا شبيه بما قالته قريش لنبيهم فيما حكى الله عنهم بقوله : «وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً ـ إلى أن قالوا ـ أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً» وقوله : «وَإِذْ قالُوا اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ».
فأجابهم شعيب :
(قالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ) فيجازيكم به ، فإن شاء عجل لكم العذاب ، وإن شاء أخره إلى أجل معلوم ، وما علىّ إلا البلاغ ، وأنا مأمور به ، فلم أنذركم من تلقاء نفسى ، ولا ادّعى القدرة على عذابكم.
(فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) أي وهكذا دأبوا على التكذيب فجازاهم بجنس ما طلبوا من إسقاط الكسف من السماء ، فجعل عقوبتهم أن أصابهم حرّ عظيم أخذ بأنفاسهم ، لم ينفعهم فيه ظل ولا ماء ولا شراب ، فاضطروا أن يخرجوا إلى البرية فأظلتهم سحابة وجدوا لها بردا ونسيما فاجتمعوا كلهم تحتها ، فأمطرتهم شواظا من نار فاحترقوا.
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) أي إن فى ذلك الإنجاء لكل رسول ومن أطاعه ، والعذاب لكل من عصاه فى كل العصور ـ لدلالة واضحة على صدق الرسل ، وما كان أكثر قومك بمؤمنين ، مع أنك قد أتيتهم بما لا يكون معه شك ، لما يصحبه من الدليل والبرهان.