ومقصده عليه السلام بهذا طلب دفع بلوى قتله ، خوف فوت أداء الرسالة ونشرها بين الملأ كما هو دأب أولى العزم من الرسل ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوقع مثل هذا حتى نزل قوله تعالى : «وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ».
وفى هذا إيماء إلى أن الخوف قد يحصل من الأنبياء كما يحصل من غيرهم.
والخلاصة ـ إن موسى طلب من ربه أمرين : دفع الشر عنه ، وإرسال هرون معه ، فأجابه إليهما.
(قالَ كَلَّا فَاذْهَبا بِآياتِنا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ) أي قال له : لا تخف من شىء من ذلك ، فاذهب أنت وأخوك متعاضدين إلى ما أمرتكما به مؤيّدين بآياتنا الدالة على صدقكما ، وإنى ناصركما ومعينكما عليه ، وهذا كقوله : «إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى».
(فَأْتِيا فِرْعَوْنَ فَقُولا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ. أَنْ أَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ) أي فأتياه وقولا له : إن الله أرسلنا إليك لتطلق سبيل بنى إسرائيل وتخلّيهم وشأنهم ، ليذهبوا إلى الأرض المقدسة موطن الآباء والأجداد التي وعدنا الله بها على ألسنة رسله ، وكانوا قد استعبدوا أربعمائة سنة.
قال القرطبي : فانطلقا إلى فرعون فلم يأذن لهما سنة فى الدخول عليه ا ه.
ووحّد الرسول هنا ولم يثنه كما جاء فى قوله : «إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ» لأن رسولا يستعمل للمفرد وغيره كما قال الشاعر :
لقد كذب الواشون ما بحت عندهم |
|
بسرّ ولا أرسلتهم برسول |
كما يستعمل كذل عدوّ وصديق كما جاء فى قوله : «فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي».
فأجابه فرعون على وجه التفريع والازدراء وذكر أمرين كما حكى سبحانه عنه :
(١) (قال ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك ستين؟) أي أبعد أن ربيناك فى بيوتنا ولم نقتلك فى جملة من قتلنا ، وأنعمنا عليك بنعمنا ردحا من الزمن تقابل الإحسان بكفران النعمة ، وتواجهنا بمثل تلك المقالة؟.
روى أنه لبث فيهم ثمانى عشرة سنة ، وقيل ثلاثين سنة.