(٢) (ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) أي إنك بشر مثلنا ، فكيف أوحى إليك دوننا؟ كما حكى عنهم فى آية أخرى : «أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا؟ بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ؟» فأجابهم إلى ما اقترحوا من الآيات الدالة على صدقه فيما جاء به من عند ربه.
(قالَ هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) أي قال صالح لثمود لما سألوه آية يعلمون بها صدقة : يا قوم هذه ناقة الله آية لكم ، ترد ماءكم يوما وتردونه أنتم يوما ، فلها حظ من الماء يوما ولكم مثله يوما آخر.
قال قتادة : إذا كان يوم شربها شربت ماءهم كله ، ولا تشرب فى يومهم ماء.
روى أنهم اقترحوا عليه عشراء (الحامل فى عشرة أشهر) تخرج من صخرة عيّنوها ، ثم تلد سقبا ، فقعد عليه الصلاة والسلام يتذكر ، فقال له جبريل عليه السلام : صلّ ركعتين وسل ربك ، ففعل فخرجت الناقة وبركت بين أيديهم ونتجت سقبا مثلها فى العظم. وإن أمثال هذه الروايات لا يجب علينا التصديق بها إلا إذا ثبتت بصحيح الأخبار.
(وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ) أي ولا تمسوها بسوء كضرب أو عقر فيحل بكم عذاب لا قبل لكم به.
ثم حكى عنهم أنهم خالفوا أمر نبيهم فقال :
(فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ. فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ) أي فعقروا الناقة بعد أن مكثت بين أظهرهم حينا من الدهر ترد الماء وتأكل المرعى ، ثم ندموا على ما فعلوا حين علموا أن العذاب نازل بهم ، إذ أنظرهم ثلاثة أيام وفى كل يوم منها تظهر مقدمات نزوله فندموا حيث لا ينفع الندم ، فأخذهم العذاب وزلزلت أرضهم زلزالا شديدا وجاءتهم صيحة عظيمة اقتلعت منها قلوبهم ، ونزل بهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون ، فأصبحوا فى ديارهم جاثمين.
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً ، وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) تقدم تقسيرها