وفى قوله : (الْحَيِّ) إيماء إلى أنه لا ينبغى أن يتوكل على من لم يتصف بالحياة من صنم أو وثن ، ولا على من لا بقاء له ممن يموت ، لأنه إذا مات ضاع من توكل عليه.
وحكى عن بعض السلف أنه قرأ هذه الآية فقال : لا ينبغى لذى لب أن يثق بعدها بمخلوق.
ثم أنذرهم وحذّرهم بأن ربهم محص أعمالهم عليهم ، ومجازيهم عليها يوم القيامة فقال :
(وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً) أي وحسبك بالحي الذي لا يموت خبيرا بذنوب خلقه ما ظهر منها وما بطن ، فهو لا يخفى عليه شىء منها ، وهو محصيها عليهم ومجازيهم عليها ، إن خيرا فخير وإن شرا فشر ، فلا عليك إن آمنوا أو كفروا.
وفى هذا ساوة لرسوله ، ووعيد لأولئك الكافرين على سوء أفعالهم ، وإعراضهم عن اتباع رسوله ومناصبته العداء ، وكأنه قيل : إذا أقدمتم على مخالفة أمره كفاكم علمه فى مجازاتكم بما تستحقون من العقوبة.
ثم وصف نفسه بذكر أفعاله التي تجعله حقيقا أن يتوكّل عليه فقال :
(الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) تقدم إيضاح هذا فى سور يونس وهود وطه ، ولكن يلاحظ هنا أنه تعالى وصف نفسه بالأبدية والعلم الشامل ، ثم بخلق السموات والأرض ليقرر وجوب التوكل عليه ويؤكده ، فإن من أحدث هذه الأجرام العظيمة على ذلك النمط البديع وجعلها مرفوعة بغير عمد فى تلك الأيام ، وقد كان قديرا على إبداعها دفعة واحدة بقدرته التي لا تقف على كنهها العقول ـ جدير بأن يتوّكل عليه ويفوّض أمره إليه.
(الرَّحْمنُ) أي عظيم الرحمة بكم ، والحدب عليكم ، فلا تعبدوا إلا إياه ولا تتوكلوا إلا عليه.
وخلاصة ذلك ـ توكلوا على من لا يموت وهو رب كل شىء وخالقه وخالق السموات السبع على ارتفاعها واتساعها وما فيها من عوالم لا يعلم كنهها إلا هو ، وخالق