الملائكة فيخبرونا بأن محمدا صادق فيما يدّعى ، فإنا فى شك من أمره ، وفى ريب مما يخبر به ، وإن لم يكن هذا فلنر ربنا ونعلم أنه هو حقا بأمارات لا يعتريها لبس ثم يقول لنا : إنى أرسلت إليكم محمدا من لدنى بشيرا ونذيرا ، فإن تم لنا ذلك صدّقناه وآمنا به ، وما مقصدهم من هذا وذاك إلا التمادي فى الإنكار والعناد والعتوّ ومن ثم قال :
(لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً) أي والله لقد استكبروا فى شأن أنفسهم ، وتجاوزوا الحد فى الظلم والطغيان تجاوزا بلغ أقصى الغاية ، تكذيبا برسوله ، وشموخا بأنوفهم عن أن ينصاعوا إليه ويتبعوه ، ولم يأبهوا بباهر معجزاته ، ولا كثرة آياته ، وإنهم لقد بلغوا غاية القحة فى الطلب ، وفى الحق إن شأنهم لعجب ، وإن العقل ليحار فى أمرهم ، ويدهش لقصور عقولهم ، وسذاجة آرائهم ، وضعف أحلامهم ، «أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ» ولله در القائل :
ومن جهلت نفسه قدره |
|
رأى غيره منه ما لا يرى |
ونحو الآية قوله تعالى : «إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ».
ثم بين أنهم سيلقون الملائكة حين الهول يوم القيامة لا على الوجه الذي طلبوه ، ولا على الصورة التي اقترحوها ، بل على وجه آخر لم يمر ببالهم فقال :
(يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً) أي يوم يرى هؤلاء المجرمون الملائكة فلا بشرى لهم بخير ، إذ يقولون لهم : حجرا محجورا أي محرم عليكم البشرى بالغفران والجنة ، أي جعلهما الله حراما عليكم ، إذ هما لا يكونان إلا لمن اعترف بوحدانية الله وصدّق رسوله.
والخلاصة ـ لا بشرى يومئذ للكافرين وتقول لهم الملائكة : حرام أن نبشركم بما نبشر به المتقين.
ثم بين السبب فى وبالهم وخسرانهم حينئذ فقال :
(وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) أي فعمدنا إلى محاسن