الأمم قد فعلوا مع رسلهم مثل هذا ، فاقتد بأولئك الأنبياء ولا تجزع ، ثم وعده وعدا كريما بأن يهديه إلى مطلبه ، وينصره على عدوه ، وكفى به هاديا ونصيرا.
الإيضاح
(وَقالَ الرَّسُولُ يا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً) أي وقال الرسول مشتكيا إلى ربه : رب إن قومى الذين بعثتني إليهم لأدعوهم إلى توحيدك ، وأمرتنى بإبلاغه إليهم ، قد هجروا كتابك ، وتركوا الإيمان بك ، ولم يأبهوا بوعدك ووعيدك ، بل أعرضوا عن استماعه واتباعه.
وفى ذكره صلى الله عليه وسلم بلفظ (الرَّسُولُ) تحقيق للحق ، ورد عليهم ، إذ كان ما أورده قدحا فى رسالته صلى الله عليه وسلم.
ثم سلى رسوله على ما يلاقيه من الشدائد والأهوال ، بأن له فى سلفه من الأنبياء قبله أسوة بقوله :
(وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ) أي كما جعلنا لك أعداء من المشركين يتقولون عليك ما يتقولون من التّرهات والأباطيل ويفعلون من السخف ما يفعلون ـ جعلنا لكل نبى من الأنبياء الذين سلفوا وأوتوا من الشرائع ما فيه هدى للبشر ـ أعداء لهم من شياطين الإنس والجن ، وكانوا لهم بالمرصاد ، وقاوموا دعوتهم ، «وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ».
فلا تجزع أيها الرسول فإن هذا دأب الأنبياء قبلك ، واصبر كما صبروا قال ابن عباس : كان عدو النبي صلى الله عليه وسلم أبا جهل ، وعدو موسى قارون ، وكان قارون ابن عم موسى.
ونحو الآية قوله : «وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً».
ثم وعده بالهداية والنصر والتأييد وغلبته لأعدائه فقال :
(وَكَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَنَصِيراً) أي وكفاك ربك هاديا لك إلى مصالح الدين