وإنكاره كما قال : «وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ».
(فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) أي فيأتى هؤلاء المكذبين بهذا القرآن العذاب الأليم وهم لا يشعرون قبل ذلك بمجيئه حتى يفجأهم.
ثم بين أنهم يتمنّون التأخير حينئذ ليتداركوا ما فات.
(فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ) أي فيقولوا على وجه الحسرة والأسف والتمني للإمهال ليتداركوا ما فرّطوا فيه : هل تؤخر إلى حين؟ كما يستغيث المرء حين تعذر الخلاص ، وهم يعلمون إذ ذاك أنه لا رجعة لهم ، لكنهم يذكرون ذلك استرواحا.
ولما أوعدهم النبي صلى الله عليه وسلم بالعذاب قالوا إلى متى توعدنا به ، ومتى هذا كما قال :
(أَفَبِعَذابِنا يَسْتَعْجِلُونَ؟) أي كيف يستعجلون عذابنا بنحو قولهم : «فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ» وقولهم : «ائْتِنا بِما تَعِدُنا».
وقد تبين لهم كيف أخذنا للأمم الماضية ، والقرون الخالية ، والأقوام العاتية؟
ثم أبان أن طول العمر لا يغنى عنهم شيئا وأن العذاب آت لا محالة فقال :
(أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ. ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ. ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ) أي هل الأمر كما يعتقدون من طول عيشهم فى النعيم ، فأخبرنى إن متعناهم فى الدنيا برغد العيش وصافى الحياة ، ثم جاءهم بعد تلك السنين المتطاولة ما كانوا يوعدون به من العذاب ، فهل ما كانوا فيه من النعيم يدفع عنهم شيئا منه أو يخففه عنهم؟.
والخلاصة ـ إن طول التمتع ليس بدافع شيئا من عذاب الله ، وكأنهم لم يمتّعوا بنعيم قط كما قال : «كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَها لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحاها» وقال : «يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ» وقال «وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى».