وعن الحسن البصري : هم حلماء لا يجهلون ، وإن جهل عليهم حلموا ولم يسفهوا ، هذا نهارهم فكيف ليلهم؟ خير ليل ، صفّوا أقدامهم ، وأجروا دموعهم ، يطلبون إلى الله جل ثناؤه فكاك رقابهم.
قال ابن العربي : لم يؤمر المسلمون يومئذ أن يسلموا على المشركين ولا نهوا عن ذلك بل أمروا بالصفح والهجر الجميل ، وقد كان عليه الصلاة والسلام يقف على أندية المشركين ويحييهم ويدانيهم ولا يداهنهم.
ولما ذكر تعالى ما بينهم وبين الخلق ذكر ما بينهم وبينه فقال :
(٣) (وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِياماً) أي والذين يبيتون ساجدين قائمين لربهم أي يحيون الليل كله أو بعضه بالصلاة ، وخص العبادة بالبيتوتة ، لأن العبادة بالليل أحمص وأبعد عن الرياء ، وقال ابن عباس : من صلى ركعتين أو أكثر بعد العشاء فقد بات لله ساجدا قائما : وقال الكلبي : من أقام ركعتين بعد المغرب وأربعا بعد العشاء فقد بات ساجدا قائما.
ونحو الآية قوله : «تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ» وقوله : «كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ. وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ» وقوله : «أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ».
(٤) (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ) أي والذين يدعون ربهم أن يضرف عنهم عذاب جهنم وشديد آلامها.
وفى هذا مدح لهم ببيان أنهم مع حسن معاملتهم للخلق واجتهادهم فى عبادة الخالق وحده لا شريك له ، يخافون عذابه ويبتهلون إليه فى صرفه عنهم غير محتفلين بأعمالهم كما قال فى شأنهم : «وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ».
ثم بين أن سبب سؤالهم ذلك لوجهين :
(ا) (إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً) أي إن عذابها كان هلاكا دائما ، وخسرانا ملازما.