يقتل من يقتل ويأتى بالباقين أسارى وهم صاغرون ، ويجليهم جميعا عن الديار والأوطان ، ويأخذ أموالهم غنائم له ـ وهنا ذكر أنهم خافوا تهديده واستجابوا لدعوته ، فتوجهت الملكة وأشراف قومها إليه ، لكن سليمان رأى حين قربت من الوصول إليه أن يحضر سرير ملكها قبل مقدمها ، ليكون فى ذلك دلالة على قدرة الله وإثبات نبوته وتتظاهر عليها الأدلة من كل أوب ، فسأل أعوانه : أيكم يستطيع أن يحضره قبل وصولها إلينا ، فأجابه عفريت من الجن بأن فى استطاعته أن يحضره قبل قيامه من مجلس الحكم والقضاء ، فقال هو : بل أنا آتيكم به كلمح البصر ، وقد كان كما قال : فرأى العرش حاضرا أمامه فشكر ربه على ما آتاه من النعم العظام الذي لا يستطيع إيفاء حقها من الشكر.
وعلينا أن نؤمن بما جاء فى الكتاب الكريم على أنه معجزة لسليمان ، إذ هو لا ينطبق على السنن العادية التي وضعها ربنا لخلقه ، فعلم البشر إلى الآن لم يصل إلى تحقيق ذلك عمليا مع تقدم سبل الانتقال ، فالطائرات على سرعتها التي أدهشت العقول لا تستطيع أن تسافر من جنوب اليمن إلى أطراف الشام فى مثل تلك اللحظات الوجيزة.
الإيضاح
لما رجعت الرسل إلى بلقيس وأخبرتها بما قال سليمان قالت : قد والله عرفت ما هذا بملك ، وما لنا به طاقة ، وما نصنع بمكاثرته شيئا ، وبعثت إليه إنى قادمة إليك بأشراف قومى ، لأنظر ما أمرك وما تدعونا إليه ، من دينك ، ثم شخصت إليه ، فجعل يبعث الجن يأتونه بأخبارها ويعلمونه غاية سيرها كل يوم حتى إذا دنت منه جمع جنده من الجن والإنس وتكلم فيهم.
(قالَ يا أَيُّهَا الْمَلَؤُا أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ) أي قال أيها الأعوان من منكم فى مكنته أن يأتينى بسرير ملكها قبل قدومها علينا ، لنطلعها