ما لا تأكلون ، وتبنون ما لا تسكنون ، وتأكلون ما لا تدركون ، إنه قد كانت قبلكم قرون يجمعون فيوعون ، ويبنون فيوثّقون ، ويأملون فيطيلون ، فأصبح أملهم غرورا ، وأصبح جمعهم بورا ، وأصبحت مساكنهم قبورا ، ألا إن عادا ملكت ما بين عدن وعمّان ، خيلا وركابا ، فمن يشترى منى ميراث عاد بدرهمين؟.
(وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ) أي إنكم قوم قساة غلاظ الأكباد ذوو جبروت وعتوّ ، فإذا عاقبتم عاقبتم دون شفقة ولا رأفة.
وخلاصة ما قال ـ إن أفعالكم تدل على حب الدنيا وعلى الكبرياء والتسلط على الناس بجبروت وعسف.
ولما نهامم عن حب الدنيا والاشتغال بالسّرف والجبروت ، دعاهم إلى العمل للآخرة زجرا لهم عما هم فيه فقال :
(فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) أي فاحذروا عقاب الله ، واتركوا هذه الأفعال الذميمة ، وأطيعونى فيما أدعوكم إليه من عبادة الله وحده لا شريك له ، فإن ذلك أجدى لكم وأنفع.
ثم وصل العظة بما يوجب قبولها بالتنبيه إلى نعم الله التي غمرتهم ، وفواضله التي عمّتهم ، وذكرها أوّلا مجملة ثم فصلها ليكون ذلك أوقع فى نفوسهم فيحتفظوا بها ويعرفوا عظيم قدرها فقال :
(وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ. أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ. وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) أي واتقوا عقاب الله بطاعتكم إياه فيما أمركم به ونهاكم عنه ، فابتعدوا عن اللعب واللهو وظلم الناس والفساد فى الأرض ، واحذروا سخط من أعطاكم من عنده ما تعلمون من الأنعام والبنين والبساتين والأنهار تتمتعون بها كما شئتم ، حتى صرتم مضرب الأمثال فى الغنى والثروة والزخرف والزينة ، فاجعلوا كفاء هذا عبادة من أنعم بها وتعظيمه وحده.
ثم بين السبب فى أمرهم بالتقوى فقال :
(إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) أي إنى أخاف عليكم إن أصررتم على كفركم