ولا يأتون إلا الفواحش ، ومحمد صلى الله عليه وسلم على خلاف ذلك. فقد بدأ بنفسه إذ قال له ربه : (فَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ) ثم بالأقرب فالأقرب فقال : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) فليست حاله حال الشعراء.
ولما وصف الشعراء بهذه الأوصاف الذميمة استثنى منهم من اتصف بأمور أربعة (١) : الإيمان (٢) والعمل الصالح (٣) وكثرة قول الشعر فى توحيد الله والنبوة ودعوة الخلق إلى الحق (٤) وألا يهجو أحدا إلا انتصارا ممن يهجوه اتباعا لقوله : «لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ» كما كان يفعل عبد الله بن رواحة وحسان بن ثابت وكعب بن مالك وكعب بن زهير حين كانوا يهجون المشركين منافحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لكعب بن مالك : «اهجهم ، فو الذي نفسى بيده لهو أشد عليهم من رشق النّبل» وكان يقول لحسان بن ثابت : «قل وروح القدس معك» ، وفى رواية «اهجهم وجبريل معك».
وإلى هذا أشار بقوله :
(إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا). وروى ابن جرير عن محمد بن إسحق «أنه لما نزلت هذه الآية جاء حسان بن ثابت وعبد الله بن رواحة وكعب بن مالك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يبكون ، قالوا قد علم الله حين أنزل هذه الآية أنّا شعراء فتلا النبي صلى الله عليه وسلم : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) قال أنتم (وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً) قال : أنتم (وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا) قال : أنتم (أي بالرد على المشركين) ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : انتصروا ولا تقولوا إلا حقا ، ولا تذكروا الآباء والأمهات» ، فقال حسان لأبى سفيان :
هجوت محمدا فأجبت عنه |
|
وعند الله فى ذاك الجزاء |
وإن أبى ووالده وعرضى |
|
لعرض محمد منكم وقاء |