الخير له ولمملكته ، فهو ما كان إلا لكشف مملكة سبأ ، ومعرفة أحوالها ، ومعرفة من يسوس أمورها ، ويدبر شئونها.
قال صاحب الكشاف : ألهم الله الهدهد فكافح سليمان بهذا الكلام على ما أوتى من فضل النبوة والحكمة والعلوم الجمة والإحاطة بالمعلومات الكثيرة ، ابتلاء له فى علمه ، وتنبيها على أن فى أدنى خلقه وأضعفه من أحاط بما لم يحط به ، لتتحاقر إليه نفسه ، ويتصاغر إليه علمه ، ويكون لطفا له فى ترك الإعجاب الذي هو فتنة العلماء ، وأعظم بها فتنة ا ه.
ثم فصل هذا النبأ وبينه بقوله :
(إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ) بين فى هذا الكلام شئونهم الدنيوية وذكر منها ثلاثة أمور :
(١) إن ملكتهم امرأة وهى بلقيس بنت شراحيل ، وكان أبوها من قبلها ملكا جليل القدر واسع الملك.
(٢) إنها أوتيت من الثراء وأبهة الملك وما يلزم ذلك من عتاد الحرب والسلاح وآلات القتال ، الشيء الكثير الذي لا يوجد مثله إلا فى الممالك العظمى.
(٣) إن لها سريرا عظيما تجلس عليه ، مرصّعا بالذهب وأنواع اللآلئ والجواهر فى قصر كبير رفيع الشأن ، وفى هذا أكبر الأدلة على عظمة الملك وسعة رقعته ورفعة شأنه بين الممالك.
وبعد أن بين شئونهم الدنيوية ذكر معتقداتهم الدينية فقال :
(وَجَدْتُها وَقَوْمَها يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ ، وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ) أي وجدتها وقومها فى ضلال مبين ، فهم يعبدون الشمس لا ربّ الشمس وخالق الكون المحيط بكل شىء علما ، وزين لهم الشيطان قبيح أعمالهم ، فظنوا حسنا ما ليس بالحسن ، وصدهم عن الطريق القويم الذي بعث به الأنبياء والرسل وهو إخلاص السجود والعبادة لله وحده.