وخلاصة ذلك ـ لا جهل أعظم من جهل من استفرغ جهده فى إيذاء من يرجو نفعه فى دينه ودنياه.
وفى هذا تسلية لرسوله حتى لا يحزن على عدم إيمانهم.
ثم أمر رسوله أن يبين لهم أنه مع كونه يريد نفعهم لا يبغى لنفسه نفعا فقال :
(قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ) أي قل لمن أرسلت إليهم : لا أسألكم على ما جئت به من عند ربى أجرا ، فتقولوا إنما يدعونا ليأخذ أموالنا ، ومن ثم لا نتبعه حتى لا يكون له فى أموالنا مطمع.
(إِلَّا مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) أي لكن من شاء منكم أن يتقرب إلى الله بالإنفاق فى الجهاد وغيره ، ويتخذ ذلك سبيلا إلى رحمته ونيل ثوابه فليفعل.
وخلاصة ذلك ـ لا أسألكم عليه أجرا لنفسى ، وأسألكم أن تطلبوا الأجر لأنفسكم باتخاذ السبيل إلى ربكم لنيل مثوبته ومغفرته.
وبعد أن بين له أن الكافرين متظاهرون على إيذائه ـ أمره بالتوكل عليه فى دفع المضارّ وجلب المنافع فقال :
(وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ) أي وتوكل على ربك الدائم الباقي رب كل شىء ومليكه ، واجعله ملجأك وذخرك ، وفوّض إليه أمرك ، واستسلم له ، واصبر على ما نابك فيه ، فإنه كافيك وناصرك ومبلغك ما تريد ، ونزّهه عما يقوله هؤلاء المشركون من الصاحبة والولد ، فهو الواحد الأحد الذي لم يلد ولم يولد ، كما تنزهه عن الأنداد والشركاء من الأصنام والأوثان فهو لا كفء له ولا ند : «وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ».
وقد علمت قبل أن التوكل اعتماد العبد على الله فى كل الأمور ، والأسباب وسائط أمرنا باتباعها من غير اعتماد عليها.
ونحو الآية قوله : «وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ».