وفى هذا عبرة لمن اعتبر ، فيترك التعالي والتغالى فى الزينة ، لئلا يخسف الله به وبماله الأرض.
وقد غفل كثير من الناس عن المقصد من المال فأنفقوه قاصدين به الرياء والمباهاة ، فضاعت دورهم وأموالهم ، وأصبحت ملكا لغيرهم ، وهذا هو الخسف العظيم ، وما خسف قارون بشىء إذا قيس بهذا ، فإن الخسف الآن خسف الأمم ، لا خسف الأفراد ، فكل بلد من بلاد الإسلام يدخله الغاصب يصبح أهله عبيدا له وضحية مطامعه ، وخسف أمة أدهى من خسف فرد ، فليخسف الفرد ، ولتبق الأمة ، وهكذا دخلت البلاد تباعا فى ملك الغاصب ، واحدة إثر أخرى ، ولم يبق منها إلا ما رحم الله ، وما ذاك إلا بجهلها لدينها ، وعدم اتباعها أحكامه ، وغفلتها عن مقاصده.
ثم بين أنه لم يجد له شفيعا ولا نصيرا يدفع عنه العذاب حينئذ فقال :
(فَما كانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَما كانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ) أي ما أغنى عنه ماله ، ولا خدمه ولا حشمه ، ولا دفعوا عنه نقمة الله ولا نكاله ، ولا استطاع أن ينتصر لنفسه.
وقصارى ذلك. إنه لا ناصر له من غيره ولا من نفسه ، فكيف يكون للأمة الغافلة عن أوامر دينها ، الجاهلة بمقاصد شريعتها فى إنفاق الأموال أن تجد مناصا من خراب الديار ، وإضاعة المجد الطارف والتالد ، ولا بد أن تقع فريسة للغاصبين ، الذين يسومونها الخسف دون شفقة ولا رحمة ، وقد كان ذلك جزاءا وفاقا ، لجهلها وسوء تصرفها وظلمها لأنفسها ، ولا يظلم ربك أحدا ، وهكذا حال من تصرّف فى ماله تصرف السفهاء ، وركب رأسه ، وصار يبعثره يمنة ويسرة ، فإنه سيندم ولات ساعة مندم.
وقد أبان الكتاب الكريم أن النصر للصابرين ، فهو أثر لازم للصبر على حفظ المال ، وحفظ الشهوات والعقول ، وكل الفضائل التي حث عليها الدين ، وسلك سبيلها السلف الصالح.