الإيضاح
بعد أن ذكر افتتان المؤمنين بأذى الكفار ، وأرشد إلى أن من قبلهم من الأمم قد فتنوا ، أعقبه بتفصيل من فتنوا من الأنبياء : كنوح وإبراهيم وهود ولوط وشعيب تسلية له صلى الله عليه وسلم ، فقد ابتلوا بما أصابهم من المكاره ، وصبروا عليها ، فليكن ذلك قدوة للمؤمنين.
وقد بدأ بذكر أبى الأنبياء نوح عليه السلام فذكر أنه مكث فى قومه ألف سنة يدعوهم إلى الله ليلا ونهارا سرا وجهرا ، وما زادهم ذلك إلا فرارا من الحق ، وإعراضا عنه ، وتكذيبا له ، وما آمن معه إلا قليل منهم ، فأنزل الله عليهم الطوفان فأهلكهم وهم مستمرون فى الظلم ، لم يتأثروا بما سمعوا من نوح من الآيات ، ولم يرعووا عما هم عليه من الكفر والمعاصي هذه المدة ، فأنجى الله نوحا ومن معه ممن ركب السفينة من أتباعه ، وكانت تلك السفينة عبرة وموعظة أمدا طويلا مدة بقائها على جبل الجودي ، ينظر إليها الناس ، وترشدهم إلى نعمته على خلقه بالنجاة من الطوفان ، كما قال : «إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ. لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ» وقد تقدم تفصيل هذا فى سورة هود.
وجاء النظم هكذا : إلا خمسين عاما ، ولم يقل : تسعمائة سنة وخمسين سنة ، لأن فى الاستثناء تحقيق العدد بخلاف الثاني فقد يطلق على ما يقرب منه ، إلى أن ذكر الألف أفخم وأوصل إلى الغرض ، وجىء بالمميّز أولا بالسنة ، ثم بالعام دفعا للتكرار ، ولأن العرب تعبر عن الخصب بالعام ، وعن الجدب بالسنة ، ونوح لما استراح بقي فى زمن حسن.
العبرة من هذا القصص
لا يحزننك أيها الرسول ما تلقى من هؤلاء المشركين أنت وأصحابك من الأذى ، فإنى وإن أمليت لهم وأطلت إملاءهم ، فإن مصيرهم إلى البوار ، ومصيرك ومصير