الإيضاح
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللهِ) أي ومن الناس فريق يقول : آمنا بالله وأقررنا بوحدانيته ، فإذا آذاه المشركون لأجل إيمانه ، جعل فتنة الناس فى الدنيا كعذاب الله فى الآخرة ، فارتد عن إيمانه ، ورجع إلى كفره ، وكان يمكنه أن يصبر على الأذى ، ويجعل قلبه مطمئنا بالإيمان ، ولكنه جعل فتنة الناس صارفة له عن الإيمان ، كما أن عذاب الله صارف للمؤمنين عن الكفر ، وعذاب الناس له دافع ، وعذاب الله ليس له دافع ، وعذاب الناس يترتب عليه ثواب عظيم ، وعذاب الله بعده العقاب الأليم ، والمشقة إذا كانت مستتبعة للراحة العظيمة تطيب النفس لها ولا تعدّها عذابا.
قال الزجاج : ينبغى للمؤمن أن يصبر على الأذى فى الله. أخرج أحمد والترمذي وابن ماجه وأبو ليلى عن أنس قال : قال صلى الله عليه وسلم : «لقد أوذيت فى الله وما يؤذى أحد ، ولقد أخفت فى الله ، وما يخاف أحد ، ولقد أتت علىّ ثالثة ، ومالى ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلا ماوارى إبط بلال».
وخلاصة ذلك : إن من الناس من يدّعون الإيمان بألسنتهم ، فإذا جاءتهم محنة وفتنة فى الدنيا اعتقدوا أن هذا من نقمة الله تعالى منهم ، فارتدّوا عن الإسلام ، ورجعوا إلى الكفر الذي كان متغلغلا فى حنايا ضلوعهم وشغاف قلوبهم.
ونحو الآية قوله : «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلى حَرْفٍ ، فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ ، وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ».
(وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ) أي ولئن جاء نصر قريب من لدى ربك بالفتح والمغانم ليقولنّ هؤلاء المنافقون : إنا كنا معكم إخوانا فى الدين ننصركم على أعدائكم ، وهم كاذبون فيما يدّعون.
ونحو الآية قوله : «الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ ، فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ قالُوا