وهذه إحدى معجزاته صلى الله عليه وسلم لأنه أخبر عن الغيب ووقع كما أخبر.
ولما قال المشركون لرسول الله صلى الله عليه وسلم : (إنك لفى ضلال مبين) نزل قوله تعالى :
(قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) أي قل لمن خالفك وكذّبك من قومك المشركين ومن تبعهم : ربى أعلم بالمهتدي منى ومنكم ، وستعلمون من تكون له عاقبة الدار ، ومن تكون له الغلبة والنصرة فى الدنيا والآخرة.
ثم ذكّره سبحانه نعمه ، ونهاه عن معاونة المشركين ومظاهرتهم فقال :
(وَما كُنْتَ تَرْجُوا أَنْ يُلْقى إِلَيْكَ الْكِتابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) أي وما كنت أيها الرسول ترجو أن ينزل عليك القرآن ، فتعلم أخبار الماضين من قبلك ، وما سيحدث من بعدك وما فيه من تشريع ، فيه سعادة البشر فى معاشهم ومعادهم ؛ وآداب هى منتهى ما تسمو إليه نفوسهم وتطمح إليها عقولهم ؛ ثم تتلو ذلك على قومك ، ولكن ربك رحمك فأنزله عليك.
ثم بين ما يجب أن يعمله كفاء هذه النعم المتظاهرة فقال :
(فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ) أي فاحمد ربك على ما أنعم به عليك بإنزاله الكتاب إليك ؛ ولا تكونن عونا لمن كفروا به ؛ ولكن فارقهم ونابذهم.
ثم شدد عزمه وقواه بألا يأبه بمخالفتهم فقال :
(وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آياتِ اللهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ) أي ولا تبال بهم ؛ ولا تهتم بمخالفتهم لك ؛ وصدهم الناس عن طريقتك ، فإن الله معك ومؤيدك ؛ ومظهر ما أرسلك به على سائر الأديان.
ثم أمره أن يصدع بالدعوة ؛ ولا يألو جهدا فى تبليغ الرسالة فقال :
(وَادْعُ إِلى رَبِّكَ) أي وبلغ رسالة ربك إلى من أرسلك إليهم ؛ واعبده وحده لا شريك له.