روى البخاري وأبو داود والنسائي عن خبّاب بن الأرت قال : «شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد لقينا من المشركين شدة ، فقلنا : ألا تستنصر لنا؟
ألا تدعو لنا؟ فقال : قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له فى الأرض فيجعل فيها ، ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين ، ويمشط بأمشاط الحديد لحمه وعظمه ؛ فما يصدّه ذلك عن دينه ، والله ليتمنّ هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ؛ لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ، ولكنكم تستعجلون».
وعن أبى سعيد الخدري قال : «دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوعك ، فوضعت يدى عليه ، فوجدت حره بين يدى فوق اللحاف ، فقلت : يا رسول الله ما أشدها عليك! قال إنا كذلك يضعّف لنا البلاء ويضعّف لنا الأجر ، قلت : يا رسول الله :
أىّ الناس أشد بلاء؟ قال الأنبياء ، قلت : ثم من؟ قال : ثم الصالحون ، إن كان أحدهم ليبتلى بالفقر حتى ما يجد إلا العباءة يجوبها (يمزقها) وإن كان أحدهم ليفرح بالبلاء كما يفرح أحدكم بالرخاء».
ونحو الآية قوله : «وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا».
(فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ) أي وليظهرنّ الله الصادقين منهم فى إيمانهم من الكاذبين بما يشبه الامتحان والاختبار ، وليجازينّ كلا بما يستحق.
وخلاصة ما سلف : أيها الناس لا تظنوا أنى خلقتكم سدى ، بل خلقتكم لترقوا إلى عالم أعظم من عالمكم وأرقى منه فى كل شئونه ، ولا يتم ذلك إلا بتكليفكم بعلم وعمل ، واختباركم من آن إلى آخر بإنزال النوازل والمصايب ، فى الأنفس والأموال والثمرات ، والتخلي عن بعض الشهوات ، وفعل التكاليف من الزكاة والصيام والحج ونحوها فحياتكم حياة جهاد وشقاء ، شئتم أو أبيتم.