عقلاء الناس من جرّاء أنها تقوّض كيان المجتمع ، وتفسد نظمه ، وتفرق شمل الأمة ، وتقسمها طبقات ، وفى ذلك تخاذلها ، وطمع العدو فى امتلاك ناصيتها.
وفى هذا تحذير لنا أيما تحذير ، فكثير ممن يظهرون النعم ، إنما يريدون التعالي والتفاخر ، وكم ممن يقيم الزينات ، أو يصنع الولائم لعرس أو مأتم ، لا يريد بذلك إلا إظهار ثرائه ، وسعة ماله بين عشيرته وبنى جلدته ، فيكون قارون زمانه ، وتكون عاقبته الخسف لما أوتيه من مال ، ويذهب الله ثراءه ، ويجعله عبرة لمن اعتبر.
فالكتاب الكريم ما قص علينا هذا القصص إلا ليرينا أن الكبرياء والتعالي ليس وبالهما فى الآخرة فحسب ، بل يحصل شؤمهما فى الدنيا قبل الآخرة ، كما حصل لكثير من المسلمين اليوم.
وقد روى عن مفسرى السلف فى زينة قارون ما يجعلنا نقف أمامه موقف الحذر ، ويجعلنا نعتقد أن الإسرائيليات سداه ولحمته ، فمن ذلك ما روى عن قتادة قال : ذكر لنا أنه خرج هو وحشمه ، على أربعة آلاف دابة ، عليهم ثياب حمر منها ألف بغلة بيضاء ، وعلى دوابهم قطائف الأرجوان. وقال مقاتل : خرج على بغلة شهباء عليها سرج من ذهب ، ومعه أربعة آلاف فارس على الخيول ، وعليهم الثياب الأرجوانية ، ومعه ثلاثمائة جارية بيض ، عليهن الحلىّ والثياب الحمر يركبن البغال الشّهب.
وحين رآه قومه على هذه الشاكلة انقسموا فرقتين :
(١) (قالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) أي قال من كان همه الدنيا وزينتها : يا ليت لنا من الأموال والمتاع مثل ما لقارون منها ، حتى ننعم عيشا ، ونتمتع بزخارف الحياة ، كما يتمتع.
وإن مثل هذا التمني ليشاهد كل يوم ، وفى كل بلد ، وفى كل قرية ، فترى الرجل والشاب ، والمرأة والفتاة ، يتمنى كل منهم أن يكون له مثل ما أوتى فلان