وأثر عن بعضهم أنه قال : لا يفرح بالدنيا إلا من رضى بها واطمأن إليها ، أما من يعلم أنه سيفارقها عن قريب فلا يفرح بها ، وما أحسن ما قال المتنبي :
أشدّ الغم عندى فى سرور |
|
تيقّن عنه صاحبه انتقالا |
وأحسن منه وأوجز قوله سبحانه : «لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ».
ثم نصحوه بعدة نصائح فقالوا :
(١) (وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ) أي واستعمل ما وهبك الله من هذا المال الجزيل ، والنعمة الطائلة فى طاعة ربك ، والتقرب إليه بأنواع القربات التي يحصل لك بها الثواب فى الدنيا والآخرة ، وفى الحديث : «اغتنم خمسا قبل خمس : شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك».
(٢) (وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا) أي ولا تترك حظك من لذات الدنيا فى مآكلها ، ومشاربها وملابسها ؛ فإن لربك عليك حقا ، ولنفسك عليك حقا ، ولأهلك عليك حقا ، وروى عن ابن عمر : «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا ، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا» وعن الحسن : «قدّم الفضل وأمسك ما يبلّغ».
(٣) (وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ) أي وأحسن إلى خلقه ، كما أحسن هو إليك فيما أنعم به عليك ، فأعن خلقه بمالك وجاهك ، وطلاقة وجهك ، وحسن لقائهم ، والثناء عليهم فى غيبتهم.
(٤) (وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ) أي ولا تصرف همتك ، بما أنت فيه إلى الفساد فى الأرض ، والإساءة إلى خلق الله.
ثم أتبعوا هذه المواعظ بعلتها فقالوا :
(إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) أي إن الله لا يكرم المفسدين ، بل يهينهم ويبعدهم من حظيرة قربه ، ونيل مودته ورحمته.