(وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ) أي وحلّ بأولئك المكذبين بآيات الله ـ السخط والغضب بتكذيبهم بها. فهم لا ينطقون بحجة يدفعون بها عن أنفسهم عظيم ما حل بهم من العذاب الأليم.
ونحو الآية قوله : «هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ ، وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ».
وبعد أن خوّفهم من أهوال يوم القيامة ذكر الدليل على التوحيد والحشر والنبوة فقال :
(أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً) أي ألم ير هؤلاء المكذبون بآياتنا تصريفنا الليل والنهار ومخالفتنا بينهما يجعل ذاك سكنا لهم يسكنون فيه ، ويهدءون راحة لأبدانهم من تعب التصرف والتقلب نهارا ، وجعل هذا مضيئا يبصرون فيه الأشياء ويعاينونها ، فيتقلبون فيه لمعايشهم ـ فيتفكرون فى ذلك ويتدبرون ويعلمون أن مصرّف ذلك كذلك ، هو الإله الذي لا يعجزه شىء ، ولا يتعذر عليه إماتة الأحياء ، وإحياء الأموات بعد الممات.
وفى ذلك أيضا دليل على النبوة ، لأنه كما يقلب الليل والنهار لمنافع المكلفين ففى بعثة الأنبياء منافع عظيمة للناس فى دنياهم ودينهم ، فما المانع إذا من بعثهم إليهم؟ بل الحاجة إلى ذلك ملحّة.
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) أي إن فيما ذكر لدلالة على قدرته على البعث بعد الموت ، وعلى توحيده لمن آمن به وصدّق برسله ، فإن من تأمل فى تعاقبهما واختلافهما على وجوه بديعة مبنية على حكم تحار فى فهمها العقول ، ولا يحيط بعلمها إلا الله وشاهد فى الآفاق تبدل ظلمة الليل الحالكة المشابهة للموت ، بضياء النهار المضاهي للحياة ، وعاين فى نفسه تبدل النوم الذي هو أخو الموت بالانتباه الذي هو مثل الحياة ـ قضى بأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من فى القبور ، وجزم بأن الله جعل هذا دليلا على تحققه ، وأن الآيات الناطقة به حق ، وأنها من عند الله.