وبعد أن ذكر الحشر الخاصّ وأقام الدليل عليه ـ ذكر الحشر العام فقال :
(وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) أي واذكر أيها الرسول لهم هول يوم النفخ فى الصور ، إذ يفزع من فى السموات ومن في الأرض ، لما يعتريهم من الرعب حين البعث والنشور ، بمشاهدة الأهوال الخارقة لعادة فى الأنفس والآفاق ، إلا من ثبّت الله قلبه.
ويرى أكثر أهل العلم أن هناك نفختين ، نفخة الفزع المذكورة فى هذه الآية وهى نفخة الصعق المذكورة فى قوله تعالى : «وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ» لأن كلا الأمرين الفزع والخوف ، والصعق وهو الموت يحصلان بها ، ونفخة البعث المذكورة فى قوله تعالى : «وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ».
(وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ) أي وكل هؤلاء الفزعين المبعوثين ، حين النفخة يحضرون الموقف بين يدى رب العزة للسؤال والجواب ، والمناقشة والحساب ، أذلاء صاغرين ، لا يتخلف أحد عن أمره كما قال : «يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ».
وقال : «ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ» وقال : «يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ».
ولما ذكر دخورهم أتبعه بدخور ما هو أعظم منهم فقال :
(وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ) أي وترى الجبال كأنها ثابتة باقية على ما كانت عليه وهى تزول عن أماكنها وتسير حثيثا كمر السحاب ، لأن الأجرام الكبار إذا تحركت فى سمت واحد لا تكاد تبين حركتها.
ونحو الآية قوله : «يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً. وَتَسِيرُ الْجِبالُ سَيْراً» وقوله : «وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً» وقوله : «وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً» وهذا يقع بعد النفخة الثانية عند حشر الخلق ، فيبدل الله الأرض غير الأرض ويغيّر هيئتها ويسيّر الجبال عن مقارّها ليشاهدها أهل المحشر ، وهى وإن