(قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ) يقول سبحانه آمرا رسوله صلى الله عليه وسلم أن يعلم جميع خلقه أنه لا يعلم الغيب أحد من أهل السموات والأرض ، بل الله وحده هو الذي يعلم ذلك كما قال : «وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ» الآية. وقال : «إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ» الآية.
والمراد بالغيب الشئون التي تتعلق بأمور الآخرة وأحوالها ، وشئون الدنيا التي لا تقع تحت حسّنا وليست فى مقدورنا.
وعن مسروق عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت : من زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم ما يكون فى غد فقد أعظم الفرية على الله ، لأن الله يقول : «قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللهُ».
ثم ذكر بعض ذلك الغيب فقال :
(وَما يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) أي وما يدرى من فى السموات والأرض من خلقه متى هم مبعوثون من قبورهم لقيام الساعة كما قال : «ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً» أي ثقل علمها على أهل السموات والأرض فلا يشعرون بها ، بل تأتيهم فجأة.
ثم أكد جهلهم بهذا اليوم بقوله :
(بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ) أي بل انتهى علمهم وعجزهم عن معرفة وقتها فلم يكن لهم علم بشىء مما سيكون فيها قطعا مع توافر أسباب العلم ، وليس المراد أنه كان لهم علم بوقتها على الحقيقة فانتفى شيئا فشيئا ، بل المراد أن أسباب العلم ومبادثه من الدلائل العقلية والنقلية ضعفت فى اعتبارهم شيئا فشيئا كلما تأملوا فيها حتى لم يعد لها قيمة وكأن لم تكن.
ثم انتقل من وصفهم بالجهل بميقاتها إلى الحيرة فى الآخرة نفسها ، أتكون أو لا تكون؟ فقال :