(فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) أي ففوض إلى الله جميع أمورك وثق به فيها ، فإنه كافيك كل ما أهمك ، وناصرك على أعدائك ، حتى يبلغ الكتاب أجله.
ثم علل هذا بقوله :
(إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ) أي أنت على الحق المبين ، وإن خالفك فيه من خالفك ممن كتب عليه الشقاء : «إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ».
ثم أيأسه من إيمان قومه وأنه لا أمل فى استجابتهم لدعوته فقال :
(إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ) أي إنك لا تقدر أن تفهم الحق من طبع الله على قلوبهم فأماتها ، ولا أن تسمعه من أصمهم عن سماعه ، ولا سيما أنهم مع ذلك معرضون عن الداعي ، مولّون على أدبارهم ، وإنما شبههم بالموتى لعدم تأثرهم بما يتلى عليهم ، وشبههم بالصم البكم ليبين أنه لا أمل فى استجابتهم للدعوة ، لأن الأصم الأبكم لا يسمع الداعي بحال.
وظاهر نفى سماع الموتى العموم ، فلا يخص منه إلا ما ورد بدليل.
كما ثبت فى الصحيح «أنه صلى الله عليه وسلم خاطب القتلى فى قليب (بئر) بدر فقيل له : يا رسول الله إنما تكلم أجسادا لا أرواح لها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم». أخرجه مسلم.
وكما ثبت أن الميت يسمع قرع نعال المشيعين له إذا انصرفوا عنه.
وقصارى ما سلف ـ إنه تعالى أمره بالتوكل عليه والإعراض عما سواه ، لأنه على الحق المبين ومن سواه على الباطل ، ولأنه تعالى مؤيده وناصره ، ولأنه لا مطمع فى مشايعة المشركين ومعاضدتهم ، لأنهم كالموتى وكالصم البكم ، فلا أمل فى استجابتهم للدعوة ، ولا فى قبولهم للحق.
ثم أكد ما سلف وقطع أطماعه فى إيمانهم على أتم وجه فقال :