الإيضاح
(فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجاهُ اللهُ مِنَ النَّارِ) أي فلم يكن جوابهم إذ قال لهم : اعبدوا الله واتقوه. إلا أن قال بعضهم لبعض : اقتلوه أو أحرقوه بالنار ، فأضرموا النار وألقوه فيها ، فأنجاه الله منها ، ولم يسلطها عليه ، بل جعلها بردا وسلاما.
ثم ذكر ما فى هذا من العبرة لمن اعتبر فقال :
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) أي إن فى إنجائنا لإبراهيم من النار ، وقد ألقى فيها وهى تستعر وتصييرها بردا وسلاما عليه ـ لأدلة وحججا لقوم يؤمنون بالله إذا عاينوا ورأوا مثل هذه الحجة.
ثم ذكر ما قاله إبراهيم لهم بعد إنجائه من النار :
(وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) أي وقال لهم إبراهيم مؤنبا وموبخا على سوء صنيعهم بعبادة الأوثان : إنما اجتمعتم على عبادتها فى الدنيا للصداقة والألفة التي بين بعضكم وبعض ، فأنتم تتحابون على عبادتها ، وتتوادون على خدمتها ، كما يتفق الناس على مذهب ، فيكون ذلك سبب ألفتهم ومودتهم ، لا لقيام الدليل عندكم على صحة عبادتها.
وقصارى ذلك : إن مودة بعضكم بعضا هى التي دعتكم إلى عبادتها ، إذ قد رأيتم بعض من تودون عبدوها ، فعبدتموها موافقة لهم لمودتكم إياهم ، كما يرى الإنسان من يوده يفعل شيئا ، فيفعله مودة له.
ثم ذكر أن حالهم فى الآخرة ستكون على نقيض هذا فقال :
(ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ) أي ثم تنعكس الحال يوم القيامة ، فتنقلب الصداقة والمودة بغضا