أمر عجيب ، هلا أنزل إلينا ملكا فيكون لنا نذيرا ، كما حكى عنهم من قولهم : «أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ» وقوله حكاية عنهم «قالُوا ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا».
وبعد أن أظهروا التعجب من رسالته أظهروا استبعاد ما جاء به فقالوا :
(أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) أي أحين نموت ونصير ترابا نرجع كما يقول النذير؟ إن ذلك الرجوع بعد الموت لبعيد عن الأوهام ، لا يصدّقه العقل وتحيله العادة.
ثم أشار إلى دليل جواز البعث وقدرته تعالى عليه فقال :
(قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ) أي قد علمنا ما تأكل الأرض من لحوم موتاهم وعظامهم ، ولا يخفى علينا أين تفرقت الأبدان ، وأين ذهبت ، وإلى أين صارت؟ فلا يصعب علينا البعث ولا يستبعد.
ثم أكد علمه بجميع الأشياء فقال :
(وَعِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ) أي وعندنا كتاب حافظ لتفاصيل الأشياء كلها ، وهذا تمثيل لحال علمه تعالى للكائنات جميعا علما كاملا بعلم من عنده كتاب حفيظ يتلقى منه كل شىء ، فيضبط ما يعلم أتم الضبط ويحصيه أكمل الإحصاء.
ثم حكى عنهم ما هو أفظع من تعجبهم وهو تكذيبهم بالنبوة الثابتة بالمعجزات من أول وهلة بلا تدبر ولا تفكر فقال :
(بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ) أي بل كذبوا ، بالنبوة التي قامت الأدلة على صدقها وأيدتها المعجزات الباهرة ، وهم إذا كذبوا بها فقد كذبوا بما أنبأ به الرسول من البعث وغيره ، ولا شك أن هذا الإنكار أعظم جرما وأشد بلية من الإنكار بما جاء به الرسول ، إذ به أنكروا الصلة الروحية بين الله ومن يصطفيه من خلقه من ذوى النفوس الصافية ، وأرباب الأرواح العالية.
(فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ) أي فهم فى قلق واضطراب ، فتارة ينفون الرسالة عن البشر ،