(٣) فى السور التي أقسم الله فى ابتدائها بغير الحروف المقطعة كان القسم لإثبات أحد الأصول الثلاثة : الوحدانية والرسالة والحشر وهى التي يتم بها الإيمان ، فأقسم لإثبات الوحدانية فى سورة الصافات فقال : «إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ» وأقسم فى سورتى النجم والضحى لإثبات الرسالة فقال فى الأولى : «وَالنَّجْمِ إِذا هَوى. ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى» وقال فى الثانية : «وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى» وأقسم فى سور كثيرة على إثبات البعث والجزاء.
(٤) فى السورة التي أقسم فيها لإثبات الوحدانية أقسم بالساكنات فقال : «وَالصَّافَّاتِ صَفًّا» وفى السور التي أقسم فيها لإثبات الحشر أقسم بالمتحركات فقال : «وَالذَّارِياتِ ذَرْواً ـ وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً ـ وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً ـ وَالْعادِياتِ ضَبْحاً» لأن الحشر فيه جمع وتفريق ، وهو بالحركة أليق.
(٥) كانت العرب تحترز عن الأيمان الكاذبة وتعتقد أنها تدع الديار بلاقع ، وقد جرى النبي صلى الله عليه وسلّم على سننهم ، فحلف بكل شريف ولم يزده ذلك إلا رفعة وثباتا ، وكانوا يعلمون أنه لا يحلف إلا صادقا ، وإلا أصابه شؤم الأيمان ، وناله المكروه فى بعض الأيمان.
الإيضاح
(وَالذَّارِياتِ ذَرْواً ، فَالْحامِلاتِ وِقْراً ، فَالْجارِياتِ يُسْراً ، فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً. إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ وَإِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ) أقسم سبحانه بالرياح وذروها التراب ، وحملها السحاب ، وجريها فى الهواء بيسر وسهولة ، وتقسيمها الأمطار ، إن هذا البعث لحاصل ، وإن هذا الجزاء لا بد منه فى ذلك اليوم ، يوم يقوم الناس لرب العالمين.
وهنا أقسم سبحانه بالرياح وأفعالها ، لما يشاهدون من آثارها ونفعها العظيم لهم فهى التي ترسل الأمطار مبشرات برحمته ، ومنها تسقى الأنعام والزروع ، وبها تنبت