ثم بين العلة فى عدم إغناء ذلك عنهم فقال :
(إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللهِ) أي لأنهم كانوا يكذبون رسل الله ، وينكرون معجزاتهم.
(وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) أي ونزل بهم ما سخروا به فاستعجلوه من العذاب.
وفى هذا تخويف لأهل مكة حتى يحذروا من عذاب الله ، ويخافوا عقابه ، فإنّ عادا لما اغتروا بدنياهم ، وأعرضوا عن قول الحق ـ نزل بهم العذاب ، ولم تغن عنهم قوتهم ولا كثرتهم شيئا ـ فأهل مكة مع عجزهم وضعفهم أولى.
ولما أخبر بهلاكهم على ما لهم من المكنة العظيمة ، ليتعظ بهم من سمع أمرهم ، أتبعه بذكر من كان مشاركا لهم فى التكذيب ، فأدركه سوء العذاب كما أدركهم فقال :
(وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى) أي ولقد أهلكنا يا أهل مكة ما حول قريتكم من القرى المكذبة للرسل كعاد ، وقد كانوا بالأحقاف بحضرموت ، وثمود وكانت منازلهم بينهم وبين الشام ، وسبإ باليمن ، ومدين ، وكانت فى طريقهم فى رحلاتهم صيفا وشتاء ، بعد أن أنذرناهم بالمثلات ، فلم يغن ذلك عنهم شيئا فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر.
(وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) أي وبيّنا لهم دلائل قدرتنا ، وبديع حججنا ليرجعوا عن غيّهم الذي استمسكوا به لمحض التقليد ، أو لشبهة عرضت لهم ، فحلّ بهم سوء العذاب ولم يجدوا لهم نصيرا ولا دافعا لعذاب الله ، وهذا ما عناه سبحانه بقوله :
(فَلَوْ لا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ قُرْباناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ) أي فهلا نصرهم أوثانهم وآلهتهم التي اتخذوا عبادتهم قربانا يتقربون به إلى ربهم فيما زعموا ، حين جاءهم بأسه فأنقذوهم من عذابه إن كانوا يشفعون عنده ، لكنهم غابوا عنهم ولم يفيدوهم شيئا.
(٣ ـ مراغى ـ السادس والعشرون)