ما هو واحد بالفعل معقول من حيث هو كذلك فيما ينقسم في الوضع أي لا يمكن أن يكون العاقل منقسما في الوضع. ولا يخفى عليك أنّ هذا البيان هو تحرير متن البرهان المذكور في الشفاء. وكذلك الفصلان الآتيان في دفع بعض الشبه الواردة عليه أيضا قد استخرجا من تقرير برهان الشفاء.
وبالجملة تحرير هذا البرهان في الفصول الثلاثة من الإشارات ، تنقيح ما في الشفاء على أسلوب آخر أحسن وأبين. وعليك بشرح المحقق الطوسى عليه :
قوله : «إشارة ، إن اشتهيت ... فاسمع» يريد بيان أنّ النفس الناطقة ، وبالجملة كل جوهر عاقل فهو ليس بجسم ولا جسمانى ، وبالجملة ليس بذى وضع. قال الفاصل الشارح : إيراد هذه المسألة كان بالنمط المترجم بالتجريد أولى ، إلّا أنّه لما بنى إثبات الجوهر المفارق على أنّ النفس الإنسانية ليست جسما ولا جسمانية احتاج إلى بيان ذلك فاكتفى هاهنا ببرهان واحد لذلك وذكر سائر البراهين في النمط المذكور.
وأقول : إنّه أراد في هذا النمط أن يبحث عن ماهية النفس وكمالاتها فبيّن أوّلا أنّها جوهر مفارق الوجود عن الأجسام والجسمانيات ، ثمّ أثبت لها كمالات تصدر عنها لذاتها من غير توسط آلة وكمالات تصدر عنها بتوسط آلات؛ وأراد في نمط التجريد أن يبحث عن حالها بعد التجرّد عن البدن فبيّن هناك بقائها مع كمالاتها الذاتية ولم يتعرض لبيان امتناع كونها جسما أو جسمانيا ، بل بالغ في إيضاح الفرق بين الكمالات الذاتية الباقية معها والكمالات البدنية الزائلة عنها بزوال البدن فوقع اشتراك النمطين في البحث عن تلك الكمالات من غير قصد على ما يتّضح في موضعه ولم يورد كما ذكره الشارح هاهنا شيئا ممّا يجب أن يبين هناك.
وأقول : هذا ما قاله المحقق الطوسي في صدر الفصل من بيان غرض الشيخ الرئيس ، والجواب عن اعتراض الفخر الرازي عليه. ولكن لا يخفى عليك أنّ أدلّة تجرّد النفس كلّها تنتج أنّها جوهر بسيط مفارق الوجود عن المادّة وأحكامها وما هو شأنه كذلك فلا يتطرّق إليه الفساد والزوال أبدا ، فانقطاع النفس عن بدنها العنصري لا يضرّ بقائها الأبدي كما صرّح الشيخ به في السادس من سابع الإشارات المترجم بقوله :